أحزابٌ انقلبت على الناخبين بعد الإنتخابات.. فهل نتّعظ؟

مشكلة أساسية تعترض الانتخابات النيابية القادمة، وهي عَدَم القدرة على التحلّي بالثّقة، بعدما خُدعنا كلبنانيين مرّات ومرّات، واستُعمِلَت أصواتنا وقوداً لدخول أو إدخال من لا يستحقّون المرور من أمام المقرّات الرسمية، (دخولهم أو إدخالهم) عوالم السياسة.

لن نعود بالذّاكرة الى ما قبل عقود، ولكنّنا نتذكّر أنه في سنوات ما بعد “فَوْرَة” 14 آذار 2005، خاضَت بعض الشخصيات السياسية الانتخابات النيابية، بنفي ما قامت به بعد مرور أقلّ من شهرَيْن على انتهاء الاستحقاق الانتخابي. وهو ما شكّل صدمة لناخبيها، وللصّورة التي رسمتها لنفسها في مرحلة ما قبل الانتخابات.

كما نتذكّر جيّداً كيف أن بعض الأحزاب السياسية “انقلبت” على الأصوات التي أدخلتها الى البرلمان، على أساس ما رفعته من شعارات “سيادية” تُنادي باستكمال تحرير لبنان من السيطرة السياسية والاستخباراتية السورية، التي عادت وانتعشت بعد أحداث 7 أيار 2008. وما ان انتهى الزّمن الانتخابي في عام 2009، حتى رأينا تلك الأحزاب تتنصّل من “ثورة الأرز”، وتسخر من مكوّناتها، وتستجدي الضفّة “المُمَانِعَة”، تحت ألف شكل وستار، ليس أقلّه حفظ خصوصيّة مجتمع معيّن، وغيرها من العناوين.

وفي هذا الإطار، نسأل: هل نعود ونُسقِط ذواتنا في الخديعة ذاتها؟ وهل نصدّق اليوم بعض من يخوضون الاستحقاق الانتخابي بالتحالُف مع جهات “سيادية”، وبعناوين “سيادية”، وبمُهاجمَة “المُمَانعين”، رغم أننا نُدرك جيّداً مدى سهولة سقوطهم في أحضان “المُمَانَعَة”، بعد انتهاء الاستحقاق الانتخابي؟

هل يُريدنا هؤلاء أن نصدّق أن ما يرفعونه من شعارات سيادية برّاقة، تهاجم محور “المُمَانَعَة”، ليس مُتّفقاً عليها مع أحزاب وتيارات هذا المحور نفسه، وأنهم لن يتراجعوا عنها تدريجياً، أو ربما فجأة، بعد 15 أيار المقبل؟ وهل يريدنا هؤلاء أنفسهم أن نقترع لهم، أي لمن نعلم سلفاً أنهم سينقلبون على نتائج تصويتنا، وذلك تحت ستار خصوصياتهم الدينية، والمناطقية، والتاريخية، والجغرافيّة، مهما طال الزّمن؟

إذا لم نتعلّم من الماضي، فهذا يعني أننا لن نتعلّم أبداً، لا الآن، ولا بعد 100 عام. ولا يُمكن التسويق لتصويت الـ”شو ما كان”، مهما كانت العناوين والشعارات المرفوعة جميلة، وحقيقية، وبرّاقة، خصوصاً أن متطلّبات سيادة لبنان، هي دقيقة وحسّاسة دائماً.

فمعركة تحرير لبنان لا تحتاج الى “ظرفيّين”، بل الى سياديّين عابرين لمناطقهم، ولخصوصياتهم، والى من لا يُحابون الوجوه، والى من يثبتون في توصيف الاحتلالات، بعيداً من الخوف على منطقة، أو على طائفة، وذلك انطلاقاً من أن كل شيء يفقد قيمته ومعناه، إذا زالت سيادة البلد، وحريّة شعبه.

أشار مصدر سياسي الى أن “النّفاق هو عنوان أساسي من عناوين اللّحظة الحاليّة الحاسمة من عمر البلد، وهو الذي يحرّك أولئك الذين يتلطّون خلف بعض الشعارات، بهدف الحصول على مقعد أو كرسي أو منصب”.

واعتبر في حديث لوكالة “أخبار اليوم” أنه “لا يُعوَّل على الانتخابات النيابية نفسها، طالما أنها غير ديمقراطية بالمعنى الفعلي. فصحيح أننا ندخل خلف العازل لنقترع لمن نريده. ولكن الترهيب المُرافِق للانتخابات، وقانون الانتخاب، وعنصر المال، والطائفية، والمذهبية، والقبليّة، بالإضافة الى التكليف الشرعي طبعاً، هي مظاهر تضرب ديموقراطية الاستحقاقات. وأي تغيير في ظلّ هذا الواقع، إذا حصل، سيكون هامشياً، طالما بقيت الأمور على تلك الحالة”.

وشدّد المصدر على أن “أكثرية الشعب اللبناني لا تفكّر بما هو أبْعَد من احتياجات حياتها اليومية. ولكن لا يُمكننا أن نلوم الشعب إذا كان لا يعرف مصلحته، إذ يتوجّب على الدولة هي أن تدير شؤونه وشؤون البلد، الاقتصادية والمعيشية، من خلال البرامج، وحُسن الإدارة”.

وختم: “يُخشى من أن نصل الى المرحلة التي نرى فيها المجتمع الدولي يتركنا، بعد الفشل بالانتخابات، وبترسيم الحدود البحرية، وباستخراج النّفط والغاز، وذلك مقابل فقدان كل شيء في البلد، إلا المراكب المثقوبة الصالحة لاجتياز البحر غرقاً”.

Exit mobile version