أدوية تُباع قبل انتهاء صلاحيتها بعد أن كانت مفقودة… مرضى الصرع وجشع بعض الناس!

يبحث مريضان يعانيان من #داء الصرع عن أدويتهما المقطوعة، تلك التي اختفت من رفوف الصيدليات عادت لتظهر اليوم بشكل مفاجئ، ليتبيّن أن تاريخ صلاحيتها قارب على الانتهاء، وما كان مُخزّناً خلال مرحلة دعم الأدوية بات متوفراً بصورة مفاجئة للاستفادة منها بما تيسّر عوض التخلّص منها.

اشترى المريض الأول دواء الصرع الذي كان مقطوعاً قبل فترة من احدى الصيدليات في البقاع بمبلغ مليون ليرة، في حين اشترى المريض الآخر الدواء نفسه بمبلغ 4 ملايين ليرة لبنانية. أما المفاجأة فكانت أن الدواءين قارب انتهاء تاريخ صلاحيتهما، ما يُفسّر توفرهما بعد انقطاع مستمر في السوق اللبناني.

ليست هذه الفضيحة الوحيدة التي تطال القطاع الدوائي في لبنان، إذ استغل البعض الأزمة الاقتصادية والدعم المتوفر للأدوية قبل أن يصدر قرار رفع الدعم عن جزء كبير منها. كما أن تاريخ انتهاء صلاحية الأدوية ليست بجديدة، فخلال اشتداد الأزمة، وصلت إلى وزارة الصحة هبة كندية بأدوية للصرع إلا أنها بقيت هناك قابعة في الوزارة ولم توزع فيما المرضى يصرخون لتأمين حبة دواء. وبعد أن قاربت على انتهاء صلاحيتها تقرر توزيعها على المستشفيات خوفاً من الفضيحة.

يعاني حوالى 50 مليون شخص من داء الصرع حول العالم، ويعاني حوالى 2 في المئة من اللبنانيين من هذا المرض. كارين، ابنة الـ27 عاماً، واحدة من مئات المرضى الذين يعانون من تأمين الدواء، تقول لـ”النهار” إن “همها اليوم هو إيجاد الدواء، لأن أي انقطاع عنه يؤدي إلى تدهور حالتها التي كانت مسقرة بفعل العلاج. صحيح أن ما قبل الأزمة، كان التحدي بإلغاء وصمة العار وزيادة التوعية حول هذا المرض بعد أن عانت في فترة طفولتها من التنمر والتمييز نتيجة مرضها، فيما اليوم يتفاقم وجعها ليصبح مرتبطاً بهاجس تأمين الدواء للحفاظ على صحتها”.

لم يكن سهلاً عليها تقبّل نظرة زملائها في المدرسة، كانت صغيرة والكلام قاسٍ، ومع ذلك تحصنت جيداً وتخطت كل ما كان يُقال وقررت أن تمضي في حياتها والتأقلم مع مرضها والنجاح في تحقيق أحلامها. ولكن الأزمة قلبت كل المقاييس، وما كان متوفراً بات حلماً بعيد المنال، ارتفعت أسعار الأدوية بشكل جنوني. وأشارت إلى أن “علبة الدواء التي كانت بـ 100 ألف ليرة أصبحت اليوم بـ 7 ملايين ليرة، وفضلاً عن غلاء التسعيرة، أصبح إيجاد الدواء مهمة شبه مستحيلة”.

تتحدث كارين أنها “منذ فترة توجهت إلى الصيدلية للبحث عن دواء لتُفاجأ بوجوده بعد أن كان مقطوعاً منذ فترة. اشترت العلبة إلا أن الصدمة كانت بأن تاريخ انتهاء الصلاحية بعد شهر فقط، ومنذ ذلك الحين قررت أن تواصل سعيها لتأمين الدواء من خارج لبنان سواء من فرنسا (27 دولاراً) أو من تركيا (20 دولاراً) لتضمن حقها في مواصلة علاجها من دون خوف أو قلق.

وأضافت “أعيش في حالة قلق دائم والخوف من عدم قدرتي على تأمين الدواء، لقد اضطررت في مرحلة ما إلى تناول البديل عن الدواء المعتمد، ما أدى إلى تراجع حالتي. لا أريد لذلك أن يتكرر مرة أخرى، وأصبح همنا للأسف أن نؤمن حبة دوائنا لنبقى على قيد الحياة”.

تتحدث الاختصاصية في الأمراض العصبية الدكتورة كارين أبو خالد لـ”النهار” أن كلفة الفحوص والأدوية باتت تتخطى قدرة قسم كبير من المرضى الذين يواجهون خطراً حقيقياً، خصوصاً أن مرضى الصرع لا يمكنهم التوقف عن تناول أدويتهم، لأن ذلك قد يُشكّل تهديداً لحياتهم ويعرضهم لنوبات متكررة قد تنتهي في غرفة العناية الفائقة أو الموت.

الأمور من سيئ إلى اسوأ، ومن كان قادراً على متابعة حالته الصحية بات يتأخر في طلب المساعدة إلى حين تفاقم وضعه. وتؤكد أبو خالد أن “خوف المرضى من الفاتورة الاستشفائية وارتفاع كلفة العلاجات والفحوص تمنع كثيرين من استشارة الطبيب بعد تراجع حالتهم. وبعد أن كانت حالة قسم كبير منهم مستقرة نتيجة العلاج، نجد اليوم تراجع حالة بعضهم وعدم قدرة البعض الآخر على متابعة حالتهم بصورة مستمرة ودورية.

وتشير إلى انها “تضطر أحياناً إلى تقسيم ظرف من الدواء بين مريضين لتضمن أن يحصل جميع مرضاها على العلاج بعد أن بات تأمين الدواء الهاجس الأكبر والأصعب. وصلنا إلى مرحلة أصبحنا نتقاسم الدواء بعد أن تعذر ايجاده في الصيدليات. وتتفاقم معاناة الطبيب أكثر عندما يحمل المرضى علب أدوية تركية وإيرانية وسورية لا نعرف عنها شيئاً، ولا نملك بديلاً للأدوية الأصلية التي كنا نصفها لهم، ولا نملك ترف الوقت لأنه ببساطة لا يمكن لمرضى الصرع أن يوقف تناول دوائه حتى ليوم واحد”.

وتنوه بالمبادرات الإنسانية التي ساعدت في سد الفجوة والثغرات الناتجة عن انقطاع الأدوية في لبنان، فبات المريض يساعد مريضاً آخر في حين أن الدولة غائبة عن مسؤولياتها.

لم يعد الهاجس الأساسي، في اليوم العالمي للصرع في 13 شباط، التركيز على الوصمة التي يعاني منها الأشخاص المصابون بالصرع في جميع أنحاء العالم، بل أصبح في القدرة على تأمين الدواء وضمان جودته. وبالتالي أصبحت المواجهة مزدوجة بين الصحة النفسية لتعامل المجتمع مع هذا المرض وبين تأمين الدواء وتوفره بشكل منتظم، وهي مهمة شبه مستحيلة.

كما أوضحت أبو خالد أن هناك فحص دم على المرأة الحامل التي تعاني من الصرع إجراؤه لمتابعة حالتها، إلا أن كلفته بلغت 100 دولار وهو غير متوفر في كل المختبرات، ما دفع بنساء كثيرات إلى التخلي عن هذه المتابعة الضرورية والتي قد تؤثر على صحة الجنين.

وفي دراسة تابعتها أبو خالد، أظهرت أن ثلث النساء اللبنانيات اللواتي يعانين الصرع لم يتمكنّ من متابعة حالتهن بصورة دورية وإجراء فحص الدم الخاص لتقييم مدى فعالية الدواء مع المرض على جسم المريض بسبب كلفته المرتفعة.

نكرر صرخة فئة من المرضى الذين وجدوا أنفسهم في دوامة “الذل” لتأمين حقهم في العلاج، هم منسيون كما غيرهم من المرضى، همهم الوحيد تأمين الدواء لتفادي تدهور حالتهم الصحية فيما الفضائح في القطاع الدوائي تواصل فصولها بين الحين والآخر من دون أي محاسبة.

زر الذهاب إلى الأعلى