تحدَّث لصديقك عن رغبتِك بشراء سيّارة جديدة، ثم افتح هاتفك، ستجدُ عشرات الإعلانات عن سيّارات للبيع، أو حتى تمنّى تناول وجبة “سوشي”، وتصفّح “إنستغرام”، أوّل ما ستراه هو إعلانٌ لمطعم ياباني بالقرب من منزلك يُروّج لعرض محدود لـ”السوشي”. أبعد من ذلك، تعرّف على شخصٍ جديد في مناسبة اجتماعية، سيُقدّم لك “فيسبوك” بعد وقتٍ قصير حسابه على طبق من فضّة ومن دون عناء البحث عنه عبر ما يُعرف بـ”People You May Know”!
أحداثٌ غريبة عجيبة تحصلُ معنا يوميّاً في زمن التطوّر التكنولوجي الهائل والذكاء الاصطناعي، وكأنَّ هناك من يتجسّس علينا في كلّ زمانٍ ومكان. عينٌ خفيّة وأذنٌ تسمعُ كلّ شيء، فكيف يُفسِّر المتخصّصون في هذا المجال هذه الظاهرة؟
يشرحُ الخبير في التحوّل الرقمي والذّكاء الاصطناعي فريد خليل أنّ “أيّ شخص يستعمل الشبكة الالكترونيّة أو وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن يعرف أنّ هناكDigital Foot Print أو البصمة الرقميّة لكلّ شخص تُجمع من خلالها مُختلف البيانات لكلّ مُتصفّح، وهي تفاصيل شخصيّة كالاسم والعنوان والبريد الالكتروني وتاريخ الميلاد وغيرها من المعلومات التي نُجبّر على إعطائها عند تأسيس حسابات إلكترونية مُعيّنة للاستفادة من خدمات بعض المواقع، فتقوم هذه المواقع بجمع هذه المعلومات من مختلف الصفحات والتطبيقات التي ننشط عليها”، مُضيفاً في مقابلة مع موقع mtv: “هناك ما يُعرف بـالـCookies التي يُطلب منّا الموافقة عليها عندما ندخل الى أيّ موقع، وهي التي تسمح للموقع بمعرفة كلّ تحرّكاتنا عليه وعلى الإنترنت، وهذه الداتا التي تُجمع تقدّم أو حتّى “تباع” لطرف ثالث لأغراض تسويقيّة، من هنا تفسّر ظاهرة الإعلانات المُستهدفة التي تردُ لكلّ شخصٍ بحسب تفضيلاته وخياراته وما يهمّه بشكلٍ عامّ ومفصّل”.
ويُشير خليل الى أنّ “أي تطبيقات نُحمّلها تطلبُ منّا السماح لها باستعمال الميكروفون والوصول الى الصّور والفيديو، وعددٌ كبير من الأشخاص لا يدقّقون بالمعلومات حول الخصوصيّة ويضغطون على زرّ الموافقة، وبذلك يسمحون لهذه المواقع باختراق خصوصيّتهم، وهنا من الضروري الدّخول الى الإعدادات ووضع حدّ لهذا الاختراق”، مُردفاً “كذلك الأمر بالنسبة لـ”غوغل مابس” الذي يرصد تحرّكاتنا والأماكن التي نزورها، كما ترصد الانترنت بطاقاتنا الائتمانيّة وأين نستعملها، وكلّ هذه المعلومات تُجمع فيقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل هذه البيانات وباستعمالها لأغراضٍ عدّة أبرزها للتسويق الالكتروني”.
ولكن كيف يرصُد الذكاء الاصطناعي من نتعرَّف عليهم؟ يُجيب خليل “يحصل ذلك من خلال الـcontacts أو الـlocation، فزيادة رقم أيّ شخصٍ جديدٍ على سجلّ الهاتف قد يقود الى ظهوره بين الأشخاص الذين يتم اقتراح صداقتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أمّا خاصيّة الموقع فترصُد الأشخاص الذين يتواجدون في الموقع ذاته ممّا قد يؤدي الى تسهيل تواصلهم مع بعضهم البعض، أما ميزتا “غوغل” و”سيري” فهما يُسجّلان بشكلٍ دائمٍ عبر الميكروفون ويُحللان البيانات ما قد يُفسّر بعض الأمور الغريبة التي تحصل معنا والتي تجعلنا نعتقد أنّ هناك من يتنصّت علينا، وبالفعل إنها عمليّة تنصّت تكنولوجيّة لا يقوم بها أشخاص وإنّما أنظمة لغايات عدّة”.
وفي الختام، يُشدّد خليل على “ألا حماية مُطلقة في عالم التكنولوجيا وتحديداً على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبقى النصيحة الأفضل هي في عدم مشاركة الكثير من التفاصيل والمعلومات الخاصّة عنّا على هذه المواقع، خصوصاً وأنه تبيّن أنَّ معظم الهجمات السيبرانيّة حول العالم بدأت بثغرات في ملفات أشخاص معيّنين ساهمت في اختراق شركات كبرى على سبيل المثال، من هنا أهمية التوعية في هذا الموضوع ومُراجعة سياسات الخصوصيّة قبل الموافقة عليها وتفعيل إعدادات الخصوصيّة بشكلٍ دائم”.
الحياة بلا هاتفٍ صعبة، ولكنّها قد تكون أكثر أماناً في عالمٍ باتت تُختَرقُ فيه حياتنا وخصوصيّتنا بسهولة تامّة وبموافقة منّا. لذا انتبهوا جيّداً من الجاسوس بين أياديكم، استعملوه بانتباه تامّ، كي لا يستعملكم ويستغلّكم هو، ويكشف كلَّ أوراقكم…