لست مغرما بمناسبة الاستقلال، تلك الكذبة التي أقنعتْ أهلي السّذج بالسّير خلف جماعة، استبدلوا المندوب السّامي بها، فكانت أشدّ استغلالًا واحتلالًا لنا كلبنانيين.
لم أكن يومًا مغرمًا بكافة دروس التّربية الوطنيّة، الّتي لا زال الكثير منّا، يطالب بها، لنستر عوراتنا الّتي لا تتّسع لغير طائفيّتنا الكريهة.
أنا السّني اللّبناني، لم أغرم يومًا بطائفتي، ولم أتمنّى لها أن تسود على غيرها من الطّوائف، لأكون حاضرًا في روابي المجد، فطائفتي هي أنا وحدي، نعم أنا طائفة قائمة بذاتها، وكلّ مواطن هو طائفة بنفسه، لذا لم يسلبني احتلال حبّ أرضي وبلدي، ولم يمنحنيه استقلال.
لقد دفعت كلّ فاتورة وردتني من دوائر الدّولة، وتطبّبت على نفقتي طوال حياتي، وتعّلمت وعلمت أبنائي بتعبي المنتج، فعلت ذلك بإرادتي، ولست نادمًا على أنّي لبناني عشت غير مستفيد من بلدي بقرش، غير أني أجدني لبنانيًّا يسعى لإنفاع أهله وبلده مهما قلّ جهده حيالهم.
أنا ما حصلت على عَلَمِ وطني من أحد، إنّما رسمته في طفولتي بنفسي، وعلّقته إلى جدار غرفتي المؤجّرة، واشتريته بتعبي من بائع على ناصية الطّريق، ليلوّح به أطفالي في أماسينا الموشّحة بالانتماء، كنت أرسمه بحبّ، فأتماهى مع رباعيّة ألوانه الّتي تميّزه عن كافّة أعلام الدّنيا.
لم تخدعني حروب لأنخرط فيها، ولم تقنعني اتفاقيات صفّق لها أهلي، كلّ الّذي أقنعني به بيادر حصاد سرت فوقها حافيًا، وأشجار تسلّقتها لاهيًا بين ثمارها، وسماء طاردت غيومها بطائراتي الورقية الّتي ما زالت تحلّق في ذاكرتي.
فأن تقاتل طائفتي لتنوب عن المغتصب، هذا يجعلني أفكّر بانتمائي الدّيني ألف مرّة قبل أن أقيم الصّلاة.
كنت أنفر من أنفاس أهلي وهم يحصون موتى أعدائهم من الطّوائف الأخرى فرحين شامتين.
كنت أشمئزّ من تحريضهم لنا على التّصفيق لانتصاراتنا، الّتي تقابلها هزائم أخوتنا في المقلب الآخر من الوطن.
وأظلّ أسأل نفسي:
ألا يمكن أن أتمّم استقلالي بغير إذلال من لا يصلي مثلي، وبغير قتل من ينظر إلى السّماء بغير منظاري؟!
ألا يمكن أن نتمّم استقلالنا بغير حقن حجارة المسجد بالكراهية ضدّ حجارة الكنيسة، والعكس أيضًا؟!
في هذه الذّكرى المزيّفة، لن أنسى كلّ المناسبات الحقيقيّة الّتي عرتنا جميعًا، يوم خنّا جميعًا، وقتلنا جميعًا، وسرقنا جميعًا، وأفسدنا في أرضنا جميعًا.
ثمّ وقفنا جميعًا ننشد: “كلّنا للوطن، للعلى للعلم”
غير أنًه ما كان يومًا لغير طائفتي الّتي مزقته بانتصاراتها الوهميٌة التي لا تليق بالأوطان، وما عرفنا عُلًى إلى فوق جثث بعضنا البعض، وقد حجبنا الضّوء عن عقولنا بأعلام قتلنا الوطن لأجلها.