لقد تأخّرت يا رفاقي حتّى وجدت مركبي الّذي أصعده إلى حيث ينبغي أن أرسو. لقد أتعبني البحث عن مركب يقلّني.
قضيت عقودًا لا أعرف أين هي شطآني، حتّى لمع بارقٌ من خلف الجبال، وما كنت موسى، ولم يكن اللّه على جبل، يكلّمني.
مشيت.. ومشيت حتّى وصلت.
كانت التّجربة موجعة ومؤلمة، وآه كم هو صعبٌ أن يغادرَ المرء أشباهه، ليحل غريبًا حيث لم يُؤلَف.
لقد خلّفت دموعًا كثيرة ورائي على الطّريق.
والمرء لا يُبكِيه إلّا اغترابُه المجهول.
كنت أسير وعيني إلى الخلف. أعزّي نفسي باحتمال العودة إلى الوراء.
فالهجرة يا رفاقي هجرات، ومهما تزوّدنا بالحقائب من أجل السّفر، يظلّ الحزن والدّمع حقيبتنا الّتي تلازمنا بعد الوصول.
كنت أخشى الموت على الدّروب، لذا قطعت الطّريق، وأنا أقارن المسافة المتبقّية أمامي بما قطعت.
عندما وصلت، هدأت روحي، وتغيّر في فمي طعم الحياة.
كنت وأنا أتابع إنجازاتكم في الانتخابات الطّلابية، أستعيد كلّ هذا، فأتحسّر على نفسي، وأغبط تجربتكم الّتي منحتكم ما يجعلكم صنّاعًا حقيقيين لأحلامنا الّتي كادت تتوارى هناك.
رفاقي أنتم عشبة الحياة الّتي أتيت بحثًا عنها خلف أسوار أوروك، وأنتم التأسّي الّذي يعوّضني عن كلّ ما خسرت، وأنتم الوصفة الّتي تخفّف عنّي ندوب القلق الدفين.
وأنتم رواة الحكاية الّتي بدأت قبل قرون في كهوف القدّيسين، وحول مواقد الرّعاة المؤمنين.
وأنتم الأضواء الّتي تشعل أشجار الوطن، وتعلن للنّاس اقتراب أعياد الميلاد.
رفافي:
شكرًا لكم ما تغرسون على الطّريق من إشارات، يهتدي بها الشّهيد وأهله والقادمون من أقصى القرى.
شكرًا لكم لأنّكم تسهّلون إلينا وصول الأمل.
شكرًا لكم لأنّكم تؤكّدون لنا أنّ الرّغيف الّذي يُشبِع لا يكون من غير قمح الوطن، وأن الرّياحين وإن طغت أكوامها، لن يداني عطرها ما ينبت من رياحين في تراب هذا الوطن.
شكرًا لكم لأنّكم آخر ما تبقّى من هذا الوطن.