اليوم يا سيدتي جعلتِ الضّعفَ يُسمَعُ في الآخر وأيقظتِ الهشاشةَ كلًها في لحظة سوداء؛ تليقُ بمن لا تليقُ به الشّوارب.
لم يكنْ ذلك الهزيلُ يدركُ أنّك تحملين صوتًا فيه صنينُ وأرزُه وتفّاحُ البقاعِ وزيتون الجبال، وصدق الأنقياء.
كنتِ واضحةً كالضّوءِ، وكان أسود غامضًا كالحزن، لذا تحطّم، وكان لا بدّ أن يتحطّم، لو أنّه كان يخجلُ من أصواتِ الجرحَى، لم تكلم، لو أنّه كان يخجل من صمتِ الموتى لما ترك الشٌتائمَ تسقطُ فوقَ وجهٍ بلا شوارب.
ذلك البائسُ فيه من الوقاحةِ ما يجعلُه يسألُ المقتولَ بسكينه عما تبقّى في شرايينه من دماء.، هو يظن أن الموت سهل كالنّفاق، وما اتقنَ سواه.
أجملُ ما قدّمتِه لنا اليوم، وأجملُ الوجه في عيونِ المظلومين وجهٌ قد صفعتهُ الكلمات، ما أعذبَك اليوم شراعًا يدفعُ سفينتَنا الّتي حاولوا اختزالها في عيون البحارة المتعبين.
بكِ.. بكِ سيدتي سننْضو كلّ شّوائب علقت في عباءة الوطن، بك سنمضي.. نحملُ القنديلَ من دارٍ لدار، نضيءُ جراح الوجوهِ المصبوغةِ بالصّراخ، وفي شرايين أمثالي حبرُ الكتابة.
قد يقولُ بعضُهم إنّنا صِرنا خُرافة.. وقد يقول آخرون إنّ بيننا وبين الموتِ مسافة .لكنّنا يا ستّنا.. نحن الّذين لن تضامَ عظامُنا، وأن حاولتْ طحنَها كلّ الوحوشِ الّتي تظنُّ أنّها آفة.
وأحبكِ سيّدةً تُضْفي على وطني الحبيب فوق عفّتِه عفافة.