“إنتفاضات” لبنان… أحلامٌ انتهت بالفَشَل!
لا يُمكن لثورة أو لانتفاضة حقيقية، أن تكون أضعف من السلطة، في أي بلد كان.
فالدّيكتاتورية نفسها، ليست قوّة، بل هي دليل على الضّعف، وذلك رغم أنها تُبقي من يعتمدها كمنهج لحكمه في السلطة، لسنوات وسنوات.
فمن المعلوم أنه كلّما ازداد الشّعور بالخوف، كلّما ارتفع منسوب العنف. وبالتالي، كلّما شعر الحاكم بدنوّ أجله، أو بأن حركة شعبية، أو سياسية، أو عسكرية… تتحضّر للإطاحة به من الدّاخل، كلّما ازداد بطشه وعنفه، لإخمادها، ولمنع تكرارها.
والأمر نفسه، بالنّسبة الى الشّعور بالتهديدات الخارجية. فكلّما شعرت بعض الأنظمة بالمخاطر الخارجيّة، كلّما زادت تسلّحها، واستعرضت قواها العسكرية، بسبب ومناسبة، أو من دونهما.
نعود الى لبنان، بلد الحريات والديموقراطيات بنسبة مقبولة، بالمقارنة مع ما هو موجود في منطقتنا. ولكن رغم ذلك، نجد أن لا ثورة أو انتفاضة شعبيّة، نجحت في إحداث التغيير السياسي المطلوب في البلد.
فعلى سبيل المثال، نزل اللبنانيون الى ساحة الشهداء، بين شباط وآذار عام 2005، وبما بلغ ذروته في 14 آذار (2005)، للمطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان. وكان لنا ما أردناه، ولكن مع “نصف” تغيير سياسي.
فالى جانب عَدَم إسقاط الولاية المُمَدَّدَة للرئيس الأسبق إميل لحود آنذاك، شكّلت الاتّفاقات الداخلية بين بعض الأطراف التي طالبَت بانسحاب الجيش السوري من لبنان، والفريق “المُمَانِع”، ضربة موجِعَة للانتفاضة الشعبية، وللتحرّر الكامل من سطوة الاحتلال السوري.
وفي أي حال، يؤكّد مُطَّلِعون أن السبب الرئيسي لانسحاب الجيش السوري من لبنان، كان تهديداً أميركياً تلقّاه الرئيس السوري بشار الأسد، في هذا الشأن، وليس زخم الانتفاضة الشعبية اللبنانية، بحدّ ذاته.
وبالعودة الى ماضٍ أقرب، أي الى 17 تشرين الأول 2019، نجد انتفاضة لبنانية شعبيّة في الشارع، تكوّنت من حزبيّين وغير حزبيّين، فيما الزّخم الأكبر فيها كان للفئة الأولى.
وفي الانتفاضة الشعبية تلك، رأينا الـ “ميني” تغيير مجدّداً، وهو الاكتفاء بسقوط حكومة الرئيس سعد الحريري، وبتهاوي تسوية عام 2016 الرئاسية، معها، ولكن من دون وضع الإصبع على الجرح الأصلي، والذي هو أن الفقر (الذي كان بدأ يزداد أكثر منذ ذلك الوقت)، وارتفاع الأسعار… وباقي المشاكل والانهيارات، لا تُحَلّ من الداخل فقط، بل تحتاج أيضاً الى تحرير لبنان من المفاعيل السياسية والعسكرية للسياسة الإيرانية، التي أتت بالانهيار الى لبنان.
“نصف” تغيير في عام 2005، و”ميني” تغيير في عام 2019، لم يُترجَما سياسياً، رغم نزول أكثر من نصف الشعب اللبناني الى الشوارع، ورغم أننا نتمتّع بنسبة مهمّة من الحريات. وهو ما يعني أن “في شي غلط”، في البلد.
أمر آخر، يُكمل مشهد “تدمير” الانتفاضات الشعبيّة في لبنان، وهو شهوة السلطة التي فرّقت في ما بين “السياديّين”، في عام 2005، منذ ما قبل الانتخابات النيابية في ذلك العام، وصولاً الى حدّ اعتبار بعضهم آنذاك أن السوريّين خرجوا من لبنان، بتجاهُل تامّ لتأثيرهم الذي كان لا يزال موجوداً فيه، وذلك لأسباب وأهداف سلطوية بعيدة المدى.
فيما شهوة السلطة نفسها، هي التي فضحت الكثير من مكوّنات انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، وأسقطتهم بالضّربة “النيابية” القاضِيَة، اليوم.
اعتبر مصدر سياسي أن “المشهد الانتخابي لـ “المجتمع المدني”، على أبواب انتخابات نيابية كان يُفتَرَض أن تكون مهمّة، يستحقّ علامة “صفر”.
وأكد في حديث لوكالة “أخبار اليوم” أن “انتفاضة 17 تشرين الأول انتهت بالمعنى الانتخابي، ومن حيث الترجمة السياسية. فتجربة المجتمع الأهلي في الثّورة نجحت، ولكن تجربة المجتمع المدني السياسية، فشِلَت”.
وشدّد المصدر على أن “اللبنانيين هم شعب مذهبي، وطائفي. وهذا سبب مهمّ للفَشَل في الانتفاضات والتحرّكات الشعبيّة، رغم النّسبة المهمّة من الحريات التي يتمتّع بها لبنان”.
وأضاف: “انتفاضة عام 2005، ارتبطت بلحظة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكان زخمها كبيراً، وضمن مدّة زمنيّة قصيرة ومضغوطة، انتهت بالانتخابات النيابية في ربيع ذلك العام”.
وختم: “أما ما بين انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، وأيار 2022، وهو موعد الانتخابات النيابية القادمة، فمدّة زمنيّة من عامَيْن وسبعة أشهر، وهي طويلة عملياً، رافقتها صراعات طائفية ومذهبيّة وسياسية، مع تنامي شهوة السلطة لدى مكوّنات الانتفاضة. ومجموع هذا كلّه أدى الى إسقاط ثورة 17 تشرين الأول، وإفراغها من مضمونها”.