التخلّص من السعال المزمن أصعب ممّا تظن

يُعتبر السعال طويل الأمد بعد الإصابة بعدوى في الجهاز التنفسي العلوي شائعاً على نحو مفاجئ. السعال هو سبب لذهاب حوالى 30 مليون شخص لزيارة الطبيب سنوياً.

ونظراً إلى شيوع السعال المتواصل، قد تفترض أن الطب يقترح قائمة طويلة من العلاجات المثبتة. لكن يتوقف الوضع للأسف على سبب المشكلة. بشكل عام، يزول السعال الذي يلي أي عدوى في الجهاز التنفسي العلوي من تلقاء نفسه مع مرور الوقت.

لطالما تساءل الأطباء عن السبب الكامن وراء اختلاف مدة نوبات السعال بعد التعرض لعدوى فيروسية أو جرثومية في الجهاز التنفسي العلوي. يكمن الجواب على الأرجح في اختلاف الناس عن بعضهم، فقد يكون البعض مصاباً بحالات مثل الربو أو التهاب الشعب الهوائية المزمن.

يصاب بعض المرضى بسعال طويل الأمد، ويتخلص البعض الآخر من هذه المشكلة في مرحلة أبكر. ما من سبب واضح لتفسير هذا الاختلاف.

ينجم السعال عن عملية معقدة تبدأ بظهور نبض كهربائي بين الأعصاب داخل المسالك الهوائية، بما في ذلك الأنف والحلق. ثمة نوعان من الأعصاب التي تطلق السعال رداً على حافز خارجي: المستقبلات الكيماوية والمستقبلات الميكانيكية.

تتجاوب المستقبلات الكيماوية مع الروائح والأبخرة، وهي التي تجعل الناس يسعلون أحياناً بعد تنشق الفلفل الحار في مقلاة ساخنة. أما المستقبلات الميكانيكية، فهي تتجاوب مع الأحاسيس المنبثقة من مهيّجات مثل الغبار.

عندما تصبح هذه الأعصاب ناشطة، ينغلق الحلق ويزيد الضغط في الصدر. يؤدي تراكم هذه الضغوط إلى اندفاع الهواء والمخاط نحو الرئتين بسرعة 500 ميل في الساعة، أي ما يساوي حوالى ضعف إيقاع أسرع سيارات العالم.

تكشف الدراسات أن العدوى الفيروسية تغيّر مستوى حساسية تلك الأعصاب نفسها. عند الإصابة بهذه العدوى، تنتج العملية الالتهابية المرافقة لها جزيئة البراديكينين التي تدفعنا إلى السعال. ومن المعروف أن الفيروس بحد ذاته يستطيع تنشيط التغيرات الجينية التي تزيد حساسية تلك المسارات العصبية، ما يؤدي إلى زيادة نوبات السعال.

لكن حين تنتهي المرحلة الحادة من العدوى ويشعر المريض بالتحسن، يصلح الجسم الأضرار الناجمة عن الالتهاب في المسالك الهوائية والرئتين. على مر هذه العملية، تخفّ حدة السعال أيضاً. كذلك، تستقر العمليات الجزيئية التي كانت مسؤولة عن زيادة نوبات السعال والعطس وتعود إلى وضعها الطبيعي. هذا ما يحصل في معظم الحالات على الأقل. لكن تحتاج هذه العملية إلى وقت أطول في حالات أخرى للأسف.

يدعو الأطباء إلى تقسيم الأعراض التنفسية إلى فئات محددة. ثمة ثلاثة أنواع أساسية من السعال: الحاد، وشبه الحاد، والمزمن. يشير السعال الحاد إلى ما يختبره معظم الناس حين يمرضون ويصابون بعدوى فيروسية ناشطة. أما السعال شبه الحاد، فقد يستمر لثلاثة أسابيع أو أكثر ويظهر بعد الإصابة بمرض في الجهاز التنفسي العلوي. أخيراً، يستمر السعال المزمن لأكثر من 12 أسبوعاً وغالباً ما ينجم عن الربو، أو التنقيط الأنفي الخلفي، أو حتى الارتجاع في بعض الحالات.

يُعتبر سعال ما بعد العدوى نوعاً من السعال شبه الحاد. إنه السعال المتواصل الذي يختبره الكثيرون بعد التغلب على العدوى التنفسية. قد تدوم هذه الحالة لأسابيع أو أشهر وقد تتحول إلى سعال مزمن.

وبما أن سعال ما بعد العدوى شائع جداً، يحاول الأطباء منذ فترة طويلة تقييم عدد المصابين بسعال متواصل بعد تلاشي الأعراض الأخرى. تختلف هذه التقديرات بين دراسة وأخرى. تكشف دراسة صغيرة في اليابان أن 12% من الحالات لدى المصابين بسعال شبه حاد أو مزمن تنجم عن عدوى في الجهاز التنفسي.

في ما يخص فيروس «كوفيد-19»، تكشف أفضل الأدلة المتاحة حتى الآن أن 2.5% فقط من الذين تعرضوا لهذه العدوى أصيبوا بسعال مزمن في المرحلة اللاحقة. قد تبدو هذه النسبة صغيرة، لكنها تشير إلى إصابة الكثيرين بالسعال، إذ تسجّل الولايات المتحدة مثلاً أكثر من 280 ألف إصابة جديدة أسبوعياً منذ بداية شباط 2023.

لكن لم يتّضح العدد الحقيقي بعد لأن الدراسات التي تحلل حالات السعال بعد التقاط العدوى تكون صغيرة بشكل عام ولا تشمل إلا من أصيبوا بفيروس «كوفيد-19» وقصدوا عيادة الأطباء أو تواصلوا معهم لتقييم وضعهم.

نشرت الكلية الأميركية لأطباء الصدر والجمعية الأوروبية للجهاز التنفسي توجيهات لمساعدة الأطباء على تجاوز هذه الشكوك والتعويض عن قلة البيانات التي تقدمها تشخيصات السعال وعلاجاته.

يُشفى نصف المرضى تقريباً من نوبات السعال من دون أي علاج. في الحالات الأخرى، تشير البيانات المحدودة حتى الآن إلى فاعلية أجهزة الاستنشاق، والستيرويدات، والمواد المخدّرة، وبعض الأدوية التي لا تتطلب وصفة طبية. لكن لا تزال الأدلة المرتبطة بفاعلية مختلف العلاجات للراشدين مختلطة ومحدودة. غالباً ما يصف الأطباء مثبطات سعال غير مخدّرة اسمها «بنزوناتات»، وهي تباع باسم «تيسالون بيرليس». يعطي هذا الدواء مفعوله عبر تخدير الأعصاب في الرئتين والمسالك الهوائية، ما يؤدي إلى تهدئة نوبات السعال.

قد تكون العلاجات المنزلية مفيدة في بعض الحالات أيضاً. يؤكد الكثيرون على فاعلية العسل في هذا المجال، وثمة أدلة محدودة على هذه المنافع. تكشف إحدى التجارب مثلاً أن العسل سمح بتهدئة السعال أكثر من الدواء الوهمي خلال ثلاثة أيام.

من المبرر أن تشعر بالقلق من استمرار السعال، مع أن معظم النوبات تتلاشى من تلقاء نفسها في نهاية المطاف. لكن إذا ظهرت أعراض أخرى مثل خسارة الوزن سريعاً، أو ظهور الدم أثناء السعال، أو التعرق ليلاً، أو إفراز كمية كبيرة من اللعاب والمخاط، استشر طبيبك بلا تأخير. في حالات نادرة، قد يشير السعال شبه الحاد والمزمن إلى سرطان الرئة أو أشكال مختلفة من المرض الرئوي المزمن.

وإذا كنت تشعر بالقلق من وضعك وترغب في تلقي المعلومات والتوصيات الطبية بكل بساطة، لا تتردد في استشارة الطبيب أيضاً. في النهاية، يبقى السعال سبباً لملايين الاستشارات الطبية سنوياً.

Exit mobile version