التسعير بالدولار: ما خفي كان أعظم!

لا يمكن النظر إلى قرار وزير الاقتصاد والتجارة بالسماح لقطاع السوبرماركت بتسعير الرفوف بعملة الدولار الثابتة، الّا كجزء من اتجاه عام لدولرة الاسعار، بما يتوافق مع القوانين الاقتصادية التي تحكم نظام القيم وتداولها وتعظيمها، من خلال الانتاج والتجارة، بحسب الأكاديمي والخبير الإقتصادي بيار الخوري.

ينطبق ذلك ايضًا وبشكل ملفت على تسعير الخدمات الحكومية والضرائب، بعد إنشاء منصة صيرفة واعتبار سعر الصرف المحدّد بموجبها مرجعاً لتسعير العديد من الخدمات العامة من بينها فواتير الهاتف الخلوي والداتا والكهرباء واستيفاء الرسوم والضرائب بعملة سدادها.

في أي حال، لا يمكن النظر إلى اتجاه الدولرة سوى عبر الاعتراف بأنّ الليرة لم تعد قادرة، في ظل تعدّد اسعار الصرف مهما بلغت، على لعب دور العملة بصفتها الوظيفية المثلثة: حافظ القيمة، وحدة احتساب ووسيط تبادل. وإذا كان يمكن النقاش في كون الليرة ما زالت تحتفظ بدور وسيط التبادل في بعض الاسواق خصوصاً في سوق العمل والضرائب والرسوم، فالليرة قد غادرت منذ العام 1984 دورها كوحدة حساب، حيث انّ الدولرة الضمنية كانت طاغية في حساب التكاليف والاسعار منذ ذلك التاريخ، مروراً بسنوات استقرار الليرة بعد الحرب حتى يومنا هذا. أُضيف للاعتبار الاخير، انهيار العملة الوطنية منذ صيف العام 2019، لتفقد بالتدريج دورها كحافظ للقيمة.

انّ خروج الليرة المتدرج من وظائفها هو ايضاً نتيجة للعجز عن تحرير سعر صرفها وتكبيلها بتعدّد جبري لأسعار السوق، لا يتوافق مع المنطق الاقتصادي ومصلحة اللاعبين الاقتصاديين. بهذا المعنى لا يمكن النظر بغرابة إلى موضوع السماح لمراكز البيع الكبرى بالتسعير بعملة ثابتة.

يسمح ذلك اولًا بتقليص مخاطر التسعير على كلفة الانتاج في ظل تقلّبات سعر الصرف اليومية، كما يسمح بالحفاظ على استقرار حجم الاستثمار في الرأسمال العامل من نقدية ومخزون وتأمين التوازن القيمي بين الاصول الجارية والخصوم الجارية في ميزانيات مراكز البيع.

المشكلة في هذا النوع من التسعير انّه لا يراعي عناصر الكلفة من غير كلفة البضاعة المباعة التي تدخل في احتساب اسعار الرفوف النهائية.

زر الذهاب إلى الأعلى