أرادت القوى السياسية اللبنانية جعل انتخابات المغتربين فرصة لتحشيد الناخبين المقيمين ليوم الانتخاب. هدف الأحزاب الاستثمار في الارتفاع النسبي الذي تحقق في تصويت المغتربين، لترجمته في صناديق الاقتراع يوم الأحد المقبل.
أمل بين برلين والشياح
كل طرف سعى إلى تحفيز بيئته وجمهوره، وفق الطريقة التي يراها مناسبة: القوات اللبنانية هي الأكثر انتشارًا وحضورًا وتنظيمًا، وكانت فعاليتها واضحة. يليها الحزب التقدمي الاشتراكي، في مقابل قوى التغيير المدني. أما حضور التيار العوني والحزب وحركة أمل، فكان غائبًا غيابًا شبه كامل في الخليج، وضعيف في الدول الأخرى، من دون إغفال الاستعراض الذي قام به مناصرو أمل في برلين بشعارهم “يا نبيه ارتاح ارتاح/برلين صارت شياح”.
كانت المجموعة التابعة لحركة أمل حاضرة بثيابها الخضراء، وشعارها بمدلولاته المرتبطة بمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، والاتجاه إلى انتخاب برّي رئيسًا لمجلس النواب. تردد الشعار الأملي البرليني صباحًا، أما بعد الظهر فتركزت مواقف الأمليين على ضرورة العيش المشترك والتعايش مع المسيحيين، واستخدم بعضهم عبارات الدفاع عن المسيحيين وحمايتهم في لبنان.
المسيحيون ورئاسة المجلس
ينطوي هذا الكلام على فتح مبكّر لمعركة رئاسة المجلس النيابي. والمقصود في استحضار برلين إلى الشياح، يفترض أن تكون له نتيجة عكسية، أي ابتكار واقع معين: نقل الشياح إلى برلين، كنوع من رفع الصوت والصرخة المسبقة لتوجهات القوى السياسية الأخرى في اختيار رئيس المجلس النيابي الجديد. وهذا بعد مواقف قوى وأحزاب مسيحية أعلنت مسبقًا أنها غير ملزمة بانتخاب نبيه برّي رئيسًا للمجلس.
لذا جرى تصحيح الشعار لاحقًا بضرورة التعايش والحفاظ على المسيحيين وحمايتهم. وكأن الصورة الرمزية المراد تقديمها هي أن حماية المسيحيين في محاذاة الشياح مثلًا، مرتبط بقرار انتخاب رئيس مجلس النواب. وعلى هذه القاعدة عملت ماكينة أمل في الخارج على استنفار الحركيين في الداخل لترجمة هذا الاستنفار في صناديق الاقتراع.
العوني منبوذ والحزب معاقب
ينطبق الأمر نفسه على مختلف القوى، ولا سيما القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي. بينما الحزب فضّل الشروع في إطلاق المهرجانات الانتخابية التي يطل فيها أمينه العام بعد انتخاب المغتربين. فالحزب يعتبر أنه يتعرض لحصار ومضايقات في الخارج بسبب العقوبات.
أما التيار العوني فبدا متراجعًا، لا سيما نظرًا إلى الإشكالات التي وقعت في دول عدة بين ناخبين معارضين للتيار ومناصرين له، في محاولة من المعارضين لإظهار التيار منبوذًا في المعركة الانتخابية.
المقاطعة وطموح الحريري برئاسة الحكومة
تيار المستقبل كان غائبًا عن المشهد الاغترابي، لكنه حضر بحملات شرسة على وسائل التواصل الاجتماعي في ظل استمرار الدعوات إلى المقاطعة. وهو يراهن على انخفاض نسبة التصويت السني في الخارج، وانعكاسها على المناطق اللبنانية لتثبيت رسالة أساسية: الزعامة لا تزال معقودة لسعد الحريري.
وتزعم قراءات سياسية أن نجاح المقاطعة وتدني نسبة التصويت السنّي، تؤكدان أن السنّة جميعهم يؤيدون الحريري، وهو صاحب قرارهم. وهذا ما من شأنه أن يفرض عودته زعيمًا ورئيسًا للحكومة في مرحلة ما بعد الانتخابات، ويثبت أن الفراغ الذي أحدثه خروجه من المشهد، لم يستطع أن يسدّه أحد سوى الحزب.
تعيش القوى السياسة جميعها أبرز تحدياتها في الأيام الفاصلة عن موعد الانتخابات. غالبيتها تراهن على الانعكاس الإيجابي للتصويت المرتفع في الخارج على مسار اليوم الانتخابي في 15 من أيار. والعمل جارٍ على تحشيد هائل في صفوف القوى الحزبية، بعد استيائها من مشهد عام وواسع مثّلته قوى التغيير في دول اغترابية عدة.