الحريري يلتزم الصمت السياسي!
يُصادف اليوم 14 شباط ذكرى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفيما يرتقب الداخل تطورات عودة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الى بيروت، وما اذا كانت عودة دائمة او موقتة، لم يَبدر عن الرئيس الحريري ما يؤكد أيّاً من الاحتمالين، بحسب “الجمهورية”.
وترددت معلومات من مصادر قريبة منه ان «عودته الى بيروت ووجوده في بيت الوسط رسالة سياسيّة بحدّ ذاتها، وهو يتلقّى عدداً من الإتصالات منذ لحظة وصوله». اشارة هنا الى ان معلومات تحدثت عن إمكان قيام الحريري بزيارات محدودة لبعض المراجع استهلّها امس بزيارة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى.
وفيما لا تبدو في أفق الذكرى اي تحضيرات لإحيائها، اكدت مصادر مواكبة لعودته انه لن تكون للحريري اي مواقف سياسية في الذكرى، بل قد يكتفي فقط بزيارة الى ضريح الرئيس الشهيد في ذكرى استشهاده.
الى ذلك، أشارت “الاخبار” الى ان سنةٌ على انقطاع «حبل السرّة» بين الرئيس سعد الحريري وكوادر تيار المستقبل، عوّضها «دولة الرئيس» عليهم بلقاء دام أقل من ساعةٍ، ضمّنه استعادةً فضفاضة للوقائع التي حدثت بعد تعليق عمله السياسي. وفي الحريري بالوعد الذي قطعه للمسؤولين الإماراتيين بأن لا يخرج عن لسانه موقف سياسي واحد خلال لقاءاته في بيروت التي سيمكث فيها حتى نهاية هذا الأسبوع. لذلك، بدأ اجتماعه مع مسؤولي الهيئات الأولى في التيّار: هيئة الرئاسة، هيئة الإشراف والرقابة، المكتب التنفيذي، المكتب السياسي والأمين العام وبعض النواب السابقين، بقوله: «مش جايي إحكي سياسة»، فكان حذراً والتزم بكل العبارات التي أوردها في المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه تعليق عمله السياسي.
هو إذاً اجتماعٌ صُوَري طالما أن رئيس «المستقبل» لم يتطرّق فيه إلى السبب الحقيقي الذي دفعه إلى الابتعاد. الجميع يعلم أنّ القرار نابعٌ عن «حرمٍ ملكي سعودي»، إلا أن الحريري لا يجاهر بذلك، تماماً كقيادييه الذين هزوا رؤوسهم حينما كان الحريري يجلس على مقعده الخشبي ليصوغ مبرّرات «هجرته الطوعيّة»، حتى أنّه أكّد صوابيّة هذا القرار الذي ربطه بانهيار الدولة ومؤسساتها والأزمة الاقتصادية. ولم ينتظر أن يبادره أي من الحاضرين بأن القائد لا يتهرّب من تحمّل المسؤولية، بل استبقهم بقوله: «شو قادر قول للناس، شو قادر اعمل، وبشو فيني أوعدهم، أو بدكن ياني اطلع قول ما خلوني؟»، معتبراً أن بقاءه في الساحة السياسيّة يعني تحميل تيّاره وحده تبعات الأزمة الحاليّة.
بالنسبة للحريري، الشرخ السياسي يزداد حدةً، و« طالما أنّ البلد قائم على الانقسام الطائفي والمذهبي والمحسوبيات، فإن لا قيامة له. وللأسف هذا الانقسام يتعمّق ويتجذّر بدلاً من الانتماء إلى الوطن». كلّ ذلك قاله «أبو حسام» ليسهل عليه إقناع قيادييه بأنّ الاعتكاف كان في «المسار الصحيح والدقيق». ولذلك أيضاً، أصرّ أن يقوم بـ«جردة حساب» عن الـ2022، مُعدداً المحطّات التي تؤكّد زيادة الشرخ السياسي وانهيار الدولة، ولكن من دون الدّخول في التفاصيل والأسماء. هكذا وقف الحريري على «حافة الحقيقة»، قبل أن يغرق في وقائع الحرب الروسية – الأوكرانيّة والوضع «غير المستقر» لمنطقة الشرق الأوسط، على حد وصفه. بانوراما محليّة – عربيّة – دوليّة قدّمها لكوادره عن الأوضاع السياسيّة المحليّة والدوليّة، متقيّداً بالنصائح الإماراتيّة التي تلقاها قبل أن يستقل طائرته عائداً إلى لبنان.
ما كان يُريد الحريري إبلاغه لكوادر تيّاره اختصره بكلمةٍ واحدة أعادها أكثر من مرة: «لا أفق». إنّه «اللاأمل» الذي بثّه في نفوسهم بأن عودته إلى الساحة السياسيّة غير واردة حالياً، باعتبار أن الظروف التي دفعته إلى الابتعاد ما زالت قائمة. وبالتالي، فإن «قرار الاعتكاف ما زال سارياً حتى إشعارٍ آخر». حتى حينما سُئل رئيس «المستقبل» من قبل أحد المسؤولين في التيار عن الشغور الرئاسي، لم يدخل في التفاصيل، بل أشار إلى أنّ المعطيات تؤكّد أن انتخاب رئيس للجمهوريّة ليس في المدى القريب.
وكما في السياسة كذلك على المستوى التنظيمي لهيكليّة التيار، أبقى الحريري على «قفازاته». لم يتطرّق إلى ما حصل في الانتخابات النيابيّة ولا إلى تمرّد قياديين «مستقبليين»، ولم يعد بورشة تنظيمية كما تمنّى البعض، بل تحدّث وكأنّ وضع التيّار في «اللوج» ليستشهد بالعمل النقابي الذي كان «مُرضياً» خلال السنة الماضية. جلّ ما قام به رئيس التيار هو مُحاولة استنهاض قيادييه بالتأكيد أن تعليق العمل السياسي لا يعني تعليق العمل في المجال الاجتماعي والنقابي، بل شجعهم على القيام بواجباتهم «لضرورة استمرار مؤسسات التيار على أن يكون العمل هادئاً ومنظماً وفق الآليات».
صحيح أن اللقاء كان عمومياً، إلا أنّ الكثير من القياديين اعتبروا أنّ الاجتماع «كان جيّداً وأن النقاش الذي دار كان رصيناً وعقلانياً، وكانت وجهات النظر متطابقة»، على حد تعبيرهم، مشيرين إلى أنّ «الرئيس بدا متابعاً للتفاصيل على رغم بُعده عن لبنان وانشغاله بالأعمال التجاريّة».
وبعد لقائه كواد التيار، زار الحريري مساء مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى، حيث رفع أنصاره صوره في عائشة بكار.
ومن المنتظر أن يُحيي الحريري اليوم ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالتوجّه إلى الضريح قبل العودة إلى بيت الوسط حيث يستقبل وفوداً شعبيّة وسط إجراءات أمنية مُشدّدة، على أن تُخصّص لقاءات الغد لبعض الشخصيات السياسية والديبلوماسية، إضافة إلى الاجتماع مع مسؤولي منسقيّات المناطق.
صمت سياسي: من جهتها، أشارت “الانباء الالكترونية” الى ان الرئيس سعد الحريري كان على موعد مع عدد من اللقاءات في بيت الوسط لا سيما مع كوادر تيار المستقبل، ولاحقاً مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ملتزماً بالصمت السياسي.
الحريري سيكتفي باحياء ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري من ضريحه اليوم، الذي يتحوّل سنوياً الى مقصد سياسي وشعبي في ذكرى ذاك اليوم المشؤوم في ١٤ أذار ٢٠٠٥ حين سقط رجل الاعتدال وخسر لبنان قامة سياسية ووطنية كبيرة، وكان موته شرارة استقلال لبنان الثاني وانتهاء زمن الوصاية السورية.
تحل الذكرى ال18 لاستشهاد الرئيس الحريري، ولبنان على مفترق طرق أحلاهما مرّ، فهو معلّق بين الحياة والموت وما أحوجه اليوم الى أمثاله لانتشال البلد من جهنم التي وصل اليها. فمن كان يتوقع أن لبنان الحلم الذي انتشله رفيق الحريري من بين الركام وأعاد اعماره وحضوره السياسي في المحافل الدولية، يمكن أن يتحوّل الى دولة مارقة ماحقة لا محل لها بين الدول المتحضرة.
الوزير السابق رشيد درباس لفت في حديث الى جريدة الأنباء الالكترونية الى ما أسماه بالمفارقة الغريبة عندما نسمع البعض يقول أن وصول البلد الى هذا المنحى الخطير كان بسبب السياسات التي اعتمدت في الثلاثين سنة الماضية، محاولين تبرئة أنفسهم وتحميل الحريري وزر ما حصل، مع أن المرحلة التي أمضاها الحريري في رئاسة الحكومة هي ٨ سنوات فقط امتدت من العام 1992 الى العام 2000،ورغم ذلك لم يبق من لبنان الا ما بناه الحريري، من المطار الى المدينة الرياضية والجامعة اللبنانية والسراي الحكومي والبنى التحتية والاوتسترادات وسواها.
وقال درباس: “بعد ذلك خرج من الحكم، فماذا فعلوا في المرافق العامة؟ الكهرباء التي كانت 24/24 في بيروت و20 في بقية المناطق فأين هي اليوم؟ وأين أصبح قطاع الاتصالات الذي كانوا يعتبر بترول لبنان؟”، مضيفاً “لقد مضى على استشهاد الحريري 14 سنة، عشنا أكثر من نصفها بفراغ رئاسي وحكومي وتعطيل غير مبرر في ادارة الدولة التي تحوّلت الى مزرعة. ولو كان الحريري حياً فهل كان سيرضى بذلك وفوق كل ذلك يريدون تحميله مسؤولية ما يحصل اليوم بفضل سوء ادارتهم وعدم خبرتهم في قيادة البلد”.
من جهته، النائب السابق فارس سعيد استذكر في اتصال مع الأنباء الالكترونية استشهاد الرئيس الحريري بأنه استشهاد قامة لبنانية عربية دولية وحّدت اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، وشكّلت حدثاً هاماً لمرحلة جديدة أدت الى خروج الجيش السوري.
وقال سعيد: “لم نر بتاريخ لبنان استشهاد قامة وطنية أعطت لبنان ما أعطاه الحريري، فاستشهاده يعد خسارة لجميع اللبنانين بكافة طوائفهم ومذاهبهم”، مستذكراً الرفاق الذين حوّلوا هذا الاستشهاد الى مبادرة وطنية، مذكّراً بأن وليد جنبلاط وسعد الحريري كانا في طليعة انتفاضة الاستقلال، وهو من موقعه الى جانب قادة ثورة الارز كانوا يأملون أن يتحوّل هذا الحدث العظيم الى حالة وطنية جامعة.
١٨ عاماً حملت معها تطورات كثيرة غيّرت وجه لبنان، وكان اخرها كارثي على كافة المستويات وأظهرت كم لبنان بحاجة لرجال دولة من طينة رفيق الحريري يعملون دائماً وفق قاعدة لبنان أولاً.