دان البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، “اغتيال الجندي الإيرلندي”، قائلًا: “حان الوقت لتضع الدولة يدها على كل سلاح غير شرعي”. وأسف في عظة أحد النسبة “لما تتعرّض له أراضي رميش من قبل قوى الأمر الواقع وعناصر غريبة عن البلدة، وندعو إلى وقف التعديات التي تسيء إلى العيش المشترك”.
وقال “نهيب بالأجهزة الأمنية القيام بواجبها في حماية أرزاق أبنائنا وطمأنتهم، وإزالة المخالفات فورًا وسحب العناصر الغريبة عن البلدة، ووضع حد لكل الممارسات والتعديات التي تسيء إلى العيش المشترك، فيشعر أهالي رميش الأحبّاء أنهم ينتمون إلى دولة تحميهم، وتضمن سلامتهم وحرية عملهم في أرضهم”.
واعتبر الراعي انّ “كلّ ما يجري على الصعيدِ الرئاسيِّ والحكوميِّ والنيابيِّ والعسكريِّ في الجنوب وعلى الحدود، وتآكلِ الدولةِ رأسًا وجسمًا، يؤكّد ضرورةَ تجديدِ دعوتنا إلى الحيادِ الإيجابيّ الناشطِ، وإلى عقدِ مؤتمرٍ دُوَليٍّ خاصٍّ بلبنان، يعالج القضايا التي تعيد إليه ميزته وهويّته فلا يَفقِدَ ما بنيناه في مئة سنة من نظامٍ وخصوصيّةٍ وتعدّديةٍ وحضارةٍ وثقافةٍ ديمقراطيّةٍ وشراكةٍ وطنيّة، جعلت منه “صاحب رسالة ونموذج في الشرق كما في الغرب، حسب قول البابا القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني”.
وقال الراعي: “لقد آلمنا للغاية إغتيال الجندي الإيرلنديِّ منذ ثلاثة أيّام، وهو من أفراد القوّات الدوليّة في الجنوب اللبنانيّ. إنّنا نشجبها وندينها بأشدّ العبارات. ونُعزي بلدَه الصديق وعائلتَه، والكتيبة الإيرلنديّة وقائد القوّات الدوليّةّ وجنودها. وإنّنا نلتمس الشفاء العاجلِ لرفاقه المصابين. إن هذا الجنديَّ الإيرلندي الذي جاء إلى لبنان ليَحميَ سلامَ الجنوب، استشهد فيه برصاصة حقد إغتالته. هذه الحادثة المأساويّة التي تشوّه وجه لبنان، إنما تستوجب تحقيقًا شفافًا لبنانيًّا وأمميًّا يكشف الحقيقة ويجري العدالة. لقد حان الوقتُ، بل حانَ من زمان، لأن تضعَ الدولةُ يدَها على كلِّ سلاحٍ مُتفلِّتٍ وغيرِ شرعيٍّ وتطبّق القرارِ 1701 نصًا وروحًا، لأن تطبيقَه حتى الآن هو انتقائيّ واعتباطيّ ومُقيّد بقرارِ قوى الأمر الواقع، فيما الدولةُ تَعَضُّ على جُرحها وعلى تقييد قدراتها لصالح غيرها”.
وتوجّه إلى المسؤولين بالقول “أتدركون أنّ الله في سرّ تدبيره وضع للعالم نظاماً ليعيش الناس والشعوب في سلام، ويتفاهموا ويرعوا شؤون مدينة الارض، وينعموا بالخير والعدل. فكانت السلطة السياسية التي تطورت عبر مراحل إنشائها وتكوينها وصلاحياتها، وهي مدعوة دائماً لاستلهام مشيئة الله وتصميمه الخلاصي، فيكون على صاحب السلطة أن “يقضي بالبّر للشعب، وبالانصاف للضعفاء” (مز72/2). وانذر الله الملوك بلسان الانبياء، بسبب تقصيرهم وظلمهم للشعب، قائلًا بلسان النبيّ آشعيا: “ويل للذين يشترعون فرائض للاثم والظلم، ليسلبوا حق ضعفاء شعبي” (اشعيا10/1-2).
أتعرفون أيّها المسؤولون، أنّ “الله يملك على كلّ الأمم” (إرميا 10: 7 و 10)؛ ويفرض على متولّي السلطة أن يمارسها محافظًا على شريعته ورسومه؟ هل تعرفون في ضوء كلّ هذا أن السلطة المدنيّة هي ذات طابع أخلاقيّ يشكّل الأساس للعمل السياسيّ؟”.
وأضاف الراعي”لأنّكم تجهلون كلّ هذا، أنتم تعتدون على مشيئة الله، وتمعنون في قهر الشعب الذي انتدبكم وأتمنكم: تمعنون في إفقاره وظلمه وتحقيره وحرمانه من حقوقه الأساسيّة ليعيش بكرامة في وطنه، وتمعنون في تشريده وتهجيره، واعتباره “كنفاية”، بحسب تعبير قداسة البابا فرنسيس.”
وتابع “كفّوا إذا، أيّها السادة النواب ومن وراءهم عن هذه السلسلة من الاجتماعات الهزليّة في المجلس النيابيّ، والمحقّرة في آن لكرامة رئاسة الجمهوريّة من جهة، وللاستفادة من شغورها من أجل مآرب سياسيّة ومذهبيّة من جهة أخرى، فضلًا عن السعي إلى تفكيك أوصال الدولة والمؤسّسات. عودوا إلى نفوسكم واعلموا أنّ جماعة سياسيّةً، حاكمةً بالأصالةِ أو بالوكالة، ومعارضةً بالأصالةِ أو بالوكالة، لا بَّد من أن تَسقطَ مهما طالت السنواتُ ما دامت تُهمِلُ إرادةَ الشعبِ وتَعتبره كميّةً لا قيمة لها وحرفًا ساقطًا. لقد أرسَلَكم الشعبُ إلى البرلمانِ لتَنتخِبوا رئيسًا لا لتُحْدِثوا شغورًا رئاسيًّا. واللهُ أعْطاكم مناسبة تَجَلٍ لتَنتخِبوا رئيسًا في الـمُهلةِ الدُستوريّةِ، فحَوَّلتُموها زمن تَخَلٍ لا نَعرف متى يَنتهي، ووسيلة إهمال جديد لرغبة الشعب الذي يريد رئيسًا يَحمي ظهرَ لبنان وصدَره لا ظهر هذا أو ذاك. فمتى كان ظهر الدولة محميًّا، فظهر كلّ المكوّنات اللبنانيّة يكون محميًّا. الشعب يريد رئيسًا لا يَخونه مع قريبٍ أو بعيدٍ ولا يَنحازُ إلى المحاور؛ رئيسًا يُطمئنه هو ويَحمي الشرعيّة لتضبط جميع قوى الأمرِ الواقع؛ رئيسًا يَعمل مع مجلسِ وزراءَ جديدٍ وفعّالٍ ومُوَحّدِ الكلمةِ فتعود الحياة الطبيعيّة إلى مؤسّسات الدولة وإداراتها.”