السفير البريطاني: مفتاح حلّ الأزمات برنامج إصلاح شامل
شدّد السفير البريطاني لدى لبنان إيان كولارد على أهمية وضع برنامج إصلاحي شامل في لبنان لأنه السبيل الوحيد لحلّ الأزمات المتفاقمة في البلاد، ولا سيما تلك المرتبطة بالقطاع المصرفي والمالي والمعيشي. وأكد كولارد أهمية إجراء الانتخابات النيابية والرئاسية في موعدهما، مشيرًا الى أن سياسة بلاده تفرض عدم التواصل مع الحزب، حتى ولو فاز بالأكثرية النيابية، وتسلّم حقائب وزارية، لأنّه مصنّف منظمة إرهابية.
مواقف السفير البريطاني جاءت خلال لقاء مع صحيفتي “نداء الوطن” و”الجمهورية”، ومنصّة “L’Orient Today” وموقع “مصدر دبلوماسي”، وهنا نص الحوار:
– هل من تطوّر على خط القضية التي أثرتموها قبل أيام بشأن إغلاق المصارف اللبنانية لعدد من الحسابات المصرفية الخاصة بالمواطنين البريطانيين والمقيمين، وهل من خطوات ستقدمون عليها بشأن هذه المسألة؟
نحن هنا لتمثيل مصالح بريطانيا في لبنان وكنا واضحين في بياننا، أنّ هذه الأزمة ترتبط بالوضع الإقتصادي في لبنان وهناك مطالب من الشعب اللبناني وأيضًا من المجتمع الدولي لإيجاد خطة شاملة من أجل حلّ هذا الملف. وبالنظر الى القضية التي أثارها بياننا، بعض المصارف كانت إتّخذت قرارًا بإغلاق بعض الحسابات الخاصّة بمواطنين بريطانيين ومقيمين في لبنان، أي على أساس إقامتهم أو جنسيتهم البريطانية، فيما يبدو أنه أمر ممنهج وقائم على التمييز. وأنا أبديت وجهة نظري بشكل خاص أمام عدد من المسؤولين الحكوميين والماليين والمصرفيين في لبنان، وآمل حلّ هذه المسألة سريعًا وقريبًا، وأعتقد أن الحل مرتبط في نهاية المطاف بإنهاء الأزمة الإقتصادية. كنت واضحًا بالحديث عن اولئك الذين تضرروا من هذه القرارات، ولكن يجب الإشارة إلى أن هذه القضية لا تعني المواطنين البريطانيين والمقيمين فحسب، لأنّ جميع المودعين، بغض النظر عن جنسياتهم، يجب أن يعاملوا بشكل عادل ولائق.
– سنّت بريطانيا قانون عقوبات لمكافحة الفساد منذ نحو عامين (عقوبات Magnetsky). ألا زلتم لا ترون وجود أي فساد في لبنان؟ وكيف ترى القطاع المصرفي في لبنان وسبل اصلاحه؟
الفساد موجود تقريبًا في كل دول العالم للأسف، ولا أظنّ أن لبنان بمنأى عنه. طبعًا الفساد يدمّر المجتمعات ويقوّض الديمقراطيات ويؤثر على حقوق الإنسان، والحكومة البريطانية تعارضه بشدّة أينما حصل، ولهذا أنشأت قبل سنتين نظام عقوبات لمحاسبة المسؤولين عن الفساد. هناك عدد من الحالات التي طبّقنا فيها هذا النظام على مستوى عالمي.
وفي لبنان هناك حاجة الى إصلاح القطاع المصرفي والسرّية المصرفية. لقد اطّلعت على إحصائيات تشير الى أن هناك نحو 145 مليون دولار من عائدات ضريبة الدخل تمّ هدرها بسبب السرّية المصرفية في لبنان. وأفضل طريقة لإنهاء هذا الواقع هي من خلال برنامج إصلاحات يكون قادرًا على وضع حدّ لظاهرة الفساد.
– هل تعتقد أن الملف القضائي لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو قضية سياسية؟
من الواضح ان هذه المسألة تخص مؤسسات لبنان. حاكم مصرف لبنان يتم تعيينه من قبل الحكومة اللبنانية، ونحن نؤمن بالكامل بسيادة لبنان وقدرته على إدارة شؤونه بنفسه. أنا اعتقد أنه في حال هناك تحقيق في قضية ما يجب أن يتمّ ذلك بشكل شفاف وعادل وعلني من دون تدخل السلطات السياسية. وهذه المسألة تعني الدولة اللبنانية والقضاء اللبناني فقط وليس بريطانيا.
– ما هي المعطيات الجديدة لديك من الإجتماع الرابع لـ “إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار 3RF لتعافي لبنان الاقتصادي”، وهل تعتقد أن لبنان دخل فعلًا مرحلة الإفلاس؟
لقد شاركت في الاجتماع الرابع لـ “إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار 3RF لتعافي لبنان الاقتصادي”، وكانت هناك نقاشات على المستوى المحلي والدولي، بحضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وعدد من الوزراء، ولم يطرح على الطاولة موضوع إفلاس لبنان. لقد قرأت تقارير صحافية عن هذا الموضوع، لكن تلاها توضيح من كل من نائب رئيس الوزراء والبنك المركزي.
كان التركيز خلال الإجتماعات على مستقبل إصلاحات القطاع المصرفي، ومحاولة فهم ما الذي حصل في الماضي وأوصل الوضع الى ما هو عليه الآن. ولكنني سأعيد القول إن الحل الأفضل للأزمة يكمن في وضع برنامج إصلاحي كامل، يشمل موازنة طويلة الأمد، ويطال المؤسسات الرسمية، كقطاعي الكهرباء والاتصالات، ومن دون ذلك، لا يبدو واضحًا بالنسبة لي كيف سيتعافى اقتصاد لبنان. الكثير من المصارف تعتبر أن هناك حاجة لحلّ وطني، وأنا اعتقد أنّ الجزء الأهم من هذا الحلّ يكمن في الكابيتال كونترول، ولكن القرار الأخير في هذا الأمر يعود الى المجلس النيابي اللبناني.
– ولكن بماذا ينفع الكابيتال الكونترول الآن بعد تهريب كميات كبيرة من الأموال الى خارج البلاد؟
سمعت الكثيرين يقولون إنّه كان يجب إقرار الكابيتال كونترول قبل ثلاثة أو أربعة أعوام وأنا أعي ذلك. كما قلت لبنان بحاجة الى إصلاحات اقتصادية أساسية عدّة، أحدها هو قانون الكابيتال كونترول الذي يساهم في وضع إطار عمل واضح واستراتيجي لجميع المودعين كي يفهموا كيف يمكن أن يستعيدوا أموالهم.
– هل تعتقد أن لبنان سيكون قادرًا على توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي قبل الإنتخابات النيابية؟ (المقابلة أجريت قبل إقرار الاتفاق الأولي بين الطرفين)
أنا متفائل بهذا الخصوص. نعلم أن وفد صندوق النقد الدولي موجود في لبنان. وأنا لا أشك ولو للحظة بقدرة المسؤولين اللبنانيين على معرفة التحدّيات التي تواجهها بلادهم والحلول اللازمة لها. إذا كانت هناك نية سياسية لدى أصحاب القرار للتوصل الى الاتفاق، انا لا أرى أنه يستحيل أن يحصل ذلك قبل موعد الانتخابات في 15 أيار. بعد وضع اتفاق إطار، سيحتاج التفاهم النهائي بين الطرفين المزيد من الوقت ومسارًا طويلا من الإجراءات ستستمرّ لأشهر عدّة.
– هل تعتقد أن الانتخابات النيابية المقبلة قادرة على تغيير الطبقة السياسية الحالية؟
لطالما كنت واضحًا في كل لقاءاتي، أنه ليس من شأن بريطانيا أن تقرّر لمن سيصوّت اللبنانيون. ما يمكن أن يعني بريطانيا هو ضرورة أن تكون الإنتخابات حرّة وعادلة وأن تنظّم في موعدها المحدّد. هذه هي المفاهيم الأساسية للديمقراطية، وإذا كان لبنان بلدًا ديمقراطيًا، عليه أن يحترم هذه المفاهيم. كما رأينا، لوائح المرشحين باتت معلنة والقرار النهائي هو للناخبين اللبنانيين وليس للسفير البريطاني او السفارة البريطانية. أمّا هل ستقود الإنتخابات للتغيير؟ النتيجة ستحدّد شكل البرلمان الجديد والحكومة المقبلة، سواء أدّت الانتخابات إلى مجلس نواب شبيه بالحالي، او إلى آخر مختلف تمامًا، المهمّ أن أي برلمان أو أي حكومة يجب أن تلتزم بأجندة الإصلاحات.
– ما هي توقّعاتكم أو تطلّعاتكم بالنسبة للتمثيل النسائي في البرلمان المقبل؟
هذه الانتخابات هي فرصة كي نرى مشاركة لافتة للنساء في الحياة السياسية بلبنان، ودائمًا ما يلفت نظري، خلال جولاتي في لبنان، العدد الكبير من النساء المؤثرات في المجتمع، سواء في الحياة العامة أو السياسية، وأعتقد أن هذه فرصة للتغيير، وأنا متأكد أنّ نسبة النساء اللواتي انضممن الى اللوائح الإنتخابية هذا العام، وهي أعلى من الأعوام السابقة، يمكن أن تؤدي الى مستوى تمثيل نسائي اكبر في البرلمان الجديد.
– هل يمكن أن تؤثر نتائج الإنتخابات النيابية على تعاطي بريطانيا مع لبنان وعلى مساعداتها ودعمها له، خصوصًا إذا فاز الحزب بالأكثرية النيابية؟
الحزب هو جزء من النسيج الوطني اللبناني ونحن نعرف ذلك، وهو حاليًا أيضًا جزء من الحكومة اللبنانية، وإذا بقي هذا الأمر على حاله، ليس بالضرورة أن يتغيّر تعاطي بريطانيا مع لبنان. بريطانيا صنّفت الحزب كمنظمة إرهابية، وهذا يفرض عدم وجود أي تواصل مباشر معه، كما أنّنا لا نموّل أي نشاط أو مشروع أو برنامج يرتبط بالحزب أو يتعلّق بالوزرات التي يديرها. هذه هي السياسة التي نعتمدها معه حاليًا وسنحافظ عليها في المستقبل. في المقابل نحن نواصل دعم باقي المؤسسات في لبنان وتمويل بعض المشاريع والبرامج التي يمكنها أن تشكل إضافة بالنسبة للبنان والشعب اللبناني، ولا شيء سيتغيّر مهما كانت نتائج الإنتخابات.
– هل لديكم أي مخاوف من احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في نهاية هذا العام؟
حاليًا ينصبّ الاهتمام على ضرورة تنظيم الانتخابات النيابية في 15 أيار، ولا أعتقد أن المجتمع الدولي بدأ التركيز على السباق الرئاسي، ولكن في هذا الملف أيضًا أعود وأكرر ما قلته في البداية، اللبنانيون هم من يقرّرون هوية الرئيس المقبل لبلادهم. المهم هو أن تجرى هذه الانتخابات الرئاسية في موعدها حرصًا على احترام المواعيد الدستورية في لبنان، كما هو الحال في أي بلد ديمقراطي.
– لطالما قدّمت بريطانيا مساعدات ومعدّات عسكرية الى الجيش للبناني، ولكن بعض وسائل الإعلام نشرت أخيرًا معلومات تفيد بأنّ هذه المعدات هي قديمة العهد. ما صحّة هذا الامر؟
في الأول من نيسان زرت ثكنة كفرشيما التابعة للواء اللوجستي في الجيش اللبناني، لتقديم الهبة البريطانية، التي كنت فخورًا بها، والتي بلغت قيمتها مليون جنيه استرليني، لقطع غيار سيارات “لاند روفر” العسكرية التي تشكل العمود الفقري لتنقلات الجيش في الداخل وعلى الحدود، وأستطيع أن أؤكد أنّ كل هذه المعدّات هي حديثة. أما الصورة التي انتشرت على بعض وسائل الإعلام وقيل إنّها تعود لقطع قديمة، فهي التقطت خلال الجولة في الثكنة حيث توجد ورشة لتصليح القطع المهترئة وترميمها، وهي ليست من ضمن الهبة البريطانية. إضافة الى ذلك هناك ميكانيكيون بريطانيون موجودون في لبنان للمساعدة في توفير الدعم التقني للجيش اللبناني على كيفية استخدام هذه المعدّات وصيانتها.
– هل لديكم أي مخاوف بشأن الأوضاع الأمنية في لبنان؟
كما تعلمون نحن على علاقة طويلة الأمد مع الجيش اللبناني، وخلال هذا الوقت من التعاون واجهنا الكثير من التحدّيات معًا، وبينها مكافحة الإرهاب العالمي، خصوصًا أنّه ما من دولة في العالم يمكنها حماية نفسها من خطر الإرهاب الذي يهدّدنا جميعًا. أمّا عن الوضع الحالي في لبنان، فأنا اعتقد أن الازمة الإقتصادية هي أكبر تحدّي يواجهه لبنان، فالمواطنون يعانون من ارتفاع الأسعار وانهيار الليرة اللبنانية، وغيرها من الأمور التي تؤثر على حياتهم اليومية، وهذه الأزمة نفسها تواجه عناصر الجيش اللبناني والقوى الامنية، لذا أعود وأكرر أن الإصلاحات هي الحل الوحيد لمواجهة كل هذه التحديات.
ومن جهة بريطانيا، سنواصل حتمًا دعم الجيش اللبناني، الذي نعتبره القوى المسلّحة الوحيدة المخوّلة الدفاع عن سيادة لبنان. لقد أنفقنا 85 مليون جنيه استرليني في الأعوام الـ 12 الماضية لمساعدة الجيش اللبناني، إلى جانب 41 مليون جنيه استرليني لدعم قوى الأمن الداخلي، ونحن نتطلّع لمزيد من المساعدة حيث يلزم، من أجل تعزيز قدرات القوات الأمنية الشرعية اللبنانية، سواء لناحية القطع والمعدّات أو لجهة حماية الحدود من خلال أبراج المراقبة التي وضعناها في السنوات الماضية.
– بالحديث عن هذا الموضوع، هل من تطوّر جديد بشأن أبراج المراقبة البريطانية التي بنيتموها على طول الحدود اللبنانية السورية؟
تم بناء 37 قاعدة عمليات أمامية و 41 برج مراقبة على طول خط الحدود اللبنانية بأكملها مع سوريا. هدف هذه الأبراج هو مساعدة حرس الحدود في مراقبة الحدود وضبط العمليات التي يمكن أن تحصل هناك. كما تعلمون مساحة هذه الحدود كبيرة جدا، وهو تحدّي مهم بالنسبة للجيش اللبناني أن تبقي هذه الحدود آمنة، ونحن فخورون بالعمل الذي يؤديه في ضبط الحدود وفي ضمان الأمن في لبنان.
– الولايات المتحدة ساهمت في توفير الأموال لدفع رواتب جنود الجيش اللبناني، هل من خطوة مماثلة متوقّعة من الجانب البريطاني؟
هذا الأمر كان مدار بحث مع المجتمع الدولي. ليس لدينا آلية تمويل لهذا النوع من المساعدات في لبنان. لذا ممكن أن يكون هذا الأمر أسهل بالنسبة لدول أخرى تملك القدرات لدفع الرواتب، وكما تعلمون بعض الدول ساهمت بتوفير الغذاء وأشياء أخرى لعناصر الجديش اللبناني. من الواضح أنه يتعيّن علينا العمل وفق قدراتنا وترتيبات التمويل الحالية لدينا. وفي النتيجة، نواصل التركيز على تعزيز القدرات العسكرية وعمليات التدريب، وأشياء أخرى يمكننا القيام بها، وهذه هي أولوياتنا حاليًا.
– كيف تنظر بريطانيا الى ملف اللاجئين في لبنان وعمل المنظمات غير الحكومية في هذا المجال؟
كما العديد من الدول، ساهمنا في تقديم الكثير من الدعم للاجئين في لبنان وللشعب اللبناني الذي يستضيفهم. لا نعتقد أن الظروف مؤاتية من أجل عودة هؤلاء اللاجئين الى سوريا في الوقت الراهن، ومن الخطأ القول إنّهم سبب الأزمة الإقتصادية في لبنان. كان هناك دعم دولي لملف اللاجئين عندما كان الوضع الإقتصادي أفضل في لبنان، واليوم هناك مشاورات تجري على مستوى عالمي ومع المنظمات غير الحكومية، بشأن سبل توفير الدعم اللازم للبنان في هذه المرحلة الصعبة، وليس فقط دعم اللاجئين المنتشرين على أراضيه. وهنا أكرّر مجدّدًا أنّ مفتاح الحلّ لكل الأزمات في لبنان هو وضع برنامج إصلاحات شامل، وأن يتحمّل السياسيون اللبنانيون مسؤولياتهم في إنجاح هذه الخطة والمضي قدمًا بها.
من جهتنا، سنواصل دعم الجيش اللبناني، والفئات الأكثر ضعفًا في لبنان، إلى جانب القطاع التربوي، بما في ذلك برنامج مِنح “تشيفننغ” الجامعية الذي يهدف الى تحديد قادة المستقبل في المجالات الحكومية والقضائية والعلوم والتكنولوجيا وفي مختلف القطاعات، وذلك من خلال منحهم فرصة للدراسة في الجامعات البريطانية كي يستغلوا مهاراتهم لاحقًا في لبنان.