أمام المرحلة الأولى من التسوية التي تم الاتفاق عليها من خلال اتصالات غير مباشرة جرت بين القوى الدولية المؤثرة في الملف اللبناني، شروط قاسية يفترض تطبيقها قبل إبرامها، ومن هذه الشروط إجراء انتخابات نيابية نظيفة في 15 أيار المقبل، وإقرار الموازنة التي تلحظ بعض الإصلاحات، وإصدار قانون “الكابيتال كونترول”. وسيحصل لبنان بالمقابل على دفعة من الالتزامات، وهي عبارة عن المصادقة على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وقيمته 3 مليارات دولار، وعودة الحضور الدبلوماسي العربي – ولا سيما الخليجي – إلى بيروت، وزيارة رئيس الفاتيكان البابا فرنسيس في منتصف حزيران.
وتقول مصادر واسعة الاطلاع لـ”الانباء الكويتية” إن “الوصول إلى هذه العناوين كخطوات إلزامية لبدء مرحلة جديدة تطلب جهدا كبيرا بذلته دوائر الفاتيكان والخارجية الفرنسية ومصر ودول الخليج، وجرت اتصالات شملت محور الممانعة، وكان جزء من الجهد مرتبطاً بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، لكي يستفيد الرئيس الفرنسي المنهية ولايته ايمانويل ماكرون من الإعلان عن التفاهمات قبل عملية التصويت في الدورة الأولى من السباق الرئاسي نحو قصر الاليزيه”.
ونفذ الفرقاء المعنيون بالتسوية ما طلب منهم حتى الآن، خصوصاً عندما تعهد رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي بوضع العناوين المتفق عليها على سكة التنفيذ، على الرغم من أن الوقت أصبح مداهما، وقد لا يتمكن مجلس النواب من إقرار الموازنة قبل 15 أيار، كذلك الأمر فيما يتعلق بإقرار قانون الكابيتال كونترول، وإجراء بعض التعديلات على قانون السرية المصرفية للعام 1956، لكن الاجتهاد الذي اعتمدته دوائر قصر بعبدا، يشير الى إمكانية تنفيذ هذه الإصلاحات ولو كانت الحكومة مستقيلة بعد أن يتم انتخاب برلمان جديد.
عون وعد بالمساعدة في تطبيق البنود المتفق عليها، وهي شروط وضعت لكي تحصل الزيارة البابوية في 13 حزيران. والزيارة هي خشبة الخلاص الأخيرة التي قد تساعد الرئيس عون في انقاذ جزء من سمعة عهده المتهالكة، وتأكيدها قد يفيد فريقه في الانتخابات النيابية. ورئيس الحكومة تعهد لدول مجلس التعاون الخليجي بتطبيق بنود المبادرة الكويتية لإعادة العلاقات الدبلوماسية إلى طبيعتها، وأول هذه البنود منع تهريب المخدرات انطلاقاً من لبنان، وتقييد الحراك الإعلامي الذي يستهدف التشويش على سياسة دول الخليج.
المرحلة الثانية من التسوية تتضمن تقديم مساعدات مالية واقتصادية وإخراج لبنان من العزلة العربية والدولية، وتهيئة الأجواء أمام انتخابات رئاسية من دون تعقيدات، بصرف النظر عن تركيبة مجلس النواب الجديد والتي ستفرزها الانتخابات المقبلة.
الحزب يخشى من سير عملية التسوية، لا سيما في الشق الذي يتعلق بربط لبنان بالنظام المالي الدولي، وهو لا يستطيع أن يستفيد من هذا النظام بسبب العقوبات التي تطول قياداته وبعض مؤسساته، كذلك فهو يخشى من نتائج الضغوط العربية والدولية على عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية يتولى مهمة الإنقاذ بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأول القادم، وقد سارع أمين عام الحزب حسن نصرالله لجمع الخصمين اللدودين المحسوبين على محور الممانعة سليمان فرنجية وجبران باسيل وفرض تعاوناً انتخابيا بينهما، وشدد على كونهما مرشحين لا ثالث لهما للانتخابات الرئاسية، لقطع الطريق على خيارات تحمل مرشحين آخرين ليسوا على تفاهم معه.
وسط هذه الأجواء التي تبعث على تفاؤل حذر، تظهر “ميكيافيلية” لبنانية تحمل انفصاماً واضحاً عند بعض القوى عن واقعها، وهذه القوى تتحدث عن مبررات غريبة لفشلها في إدارة الدولة، إذ وصل الأمر بباسيل للتنصل من مسؤوليته عن انهيار قطاع الكهرباء على الرغم من إدارته لهذا القطاع على مدى 15 عاماً، كما أن الحزب يرفع في حملته الانتخابية شعار الحفاظ على السيادة وعلى سلطة القضاء على الرغم من مواقفه التي أدت إلى ضياع السيادة وشل القضاء ومن دون أي حياء!