رغم ظهور معالم أزمة شركات النفايات منذ منتصف العام الماضي، إلا أن الدولة لم تحرّك ساكنًا حيال خطورتها وتداعياتها مع مرور الوقت، وغاب عن بالها أن الحلول الترقيعية لا تفلح مع مثل هكذا أزمات تنعكس على أمن البلد البيئي. واليوم، عادت هذه المعضلة لتطفو على سطح الأحداث وتدق ناقوس الخطر، مع تكدّس النفايات مجدّدًا على الطرقات وتوقّف شركتي الكنس “رامكو” و”سيتي بلو” عن القيام بمهامهما بشكل جزئي، جراء عدم تسوية عقودهما مع مجلس الإنماء والإعمار.
الإفلاس بات قريبًا
يؤكد المدير عام لشركة “رامكو”، وليد أبو سعد، أنه لم يعد بإمكانهم العمل بالقدرة السابقة نفسها، لأنه حسب العقود مع بلدية بيروت ومجلس الإنماء والإعمار، نتقاضى من كل منهما شيكاً مصرفياً بقيمة مليون دولار، أي ما يقدّر في السوق السوداء إذا ما تم بيعهما، بنحو 150 ألف دولار لكل مليون، يعني خسارتنا تلامس 85 في المئة، موضحًا أن الـ15 في المئة المتبقية (فرش دولار) لا تكفينا لتغطية 50 في المئة من كلفتنا التشغيلية، التي تشمل المحروقات والزيوت والشاحنات واحتياجات الماكينات وقطع الغيار ولوازم الصيانة، إضافة إلى رواتب الموظفين والعمال التي رفعناها خمسة أضعاف عما كانت عليه.
ويقول أبو سعد: “ارتأيت تخفيف مهام الشركة على الأرض إلى النصف تقريبًا بعد أن كانت عملياتنا تغطي 24 ساعة على مدى الأسبوع كله، في بيروت والمتن وكسروان..” يؤكد أبو سعد لـ”المدن”: “إضافة إلى طاقتنا التي استنزفت، قررت بلدية بيروت نقل النفايات إلى مطمر الجديدة بدلًا من معمل الكرنتينا كما درجت العادة في السابق، علمًا أن مطمر الجديدة يعمل 11 ساعة فقط، وبالتالي حتّموا علينا تغطية عملياتنا ضمن توقيت المطمر”.
أبو سعد يلفت إلى أننا طلبنا مرارًا من الجهات المعنية تعديل العقد الذي ينتهي في 30 نيسان 2023 بعد أن انتفت قيمته، كي نحصل على الحد الأدنى الذي يجعلنا نقوم بمسؤولياتنا تجاه المرفق العام، لكن لم نلق أي تجاوب أو قبول، بحجة العجز المالي، ويضيف: “لذلك إذا بقي الوضع على ما هو عليه سيكون الإفلاس مصيرنا قريبًا، خصوصاً أنني أتكبّد 300 ألف دولار شهريًّا من مالي الخاص”، لافتًا إلى أنه توجّه بكتاب إلى مجلس الانماء والإعمار “طلبت بموجبه ضرورة الإسراع في إطلاق مناقصة جديدة لرفع النفايات في قضائي المتن وكسروان وبيروت مع استعداد الشركة للمساعدة بتقديم الآليات بقيمتها الدفترية للمشغل، الذي سيتم تعيينه بالمهام التشغيلية”.
المعاناة نفسها تعيشها شركة “سيتي بلو”، التي يؤكد مصدر مسؤول فيها لـ”المدن” أنها قد لا تصمد طويلًا على الطرقات، لأنها باتت اليوم تعمل بربع طاقتها، مع استمرار استنزافها وعدم قيام مجلس الإنماء والإعمار والحكومة اللبنانية بأي حلول للأزمة المالية التي تعصف بها، مشددًا على أنه إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه، ستتكدّس النفايات في نطاق جبل لبنان أضعاف ما كنا نشهده في الأزمات السابقة.
عقود محليّة جديدة
وزير البيئة ناصر ياسين يؤكد الواقع الذي عبّر عنه مدير عام شركة “رامكو”، لكنه يقول في حديثه لـ”المدن” إن لا علاقة للوزارة بهذا الوضع أو بتفاصيل العقود المبرمة مع الشركتين، ويضيف: “لغاية اليوم لم تستلم الوزارة هذا الملف بشكل كافٍ للقيام بالحلول المطلوبة، بعد تأثر الشركتين بالوضع الاقتصادي المالي وعدم قدرتهما على تغطية نفقاتهما التشغيلية. ويلفت إلى “أننا نقوم بمساعٍ مكثفة للتوصل إلى طرق تمكّن الشركتين من العمل بالحد الأدنى، لأن وضع النظافة ومعاجلتها على الطرقات ليست بالنوعية التي نطمح إليها”، معتبرًا أن لا خيار سوى استكمال العمل “لأننا أمام مرفق بيئي عام ولا يمكننا التخلي عنه”. وعما إذا كان هناك إمكانية لتحويل العقود التي تُبرم مع الشركات في أي مناقصات جديدة من الدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانية، يشدد ياسين على أن هكذا طرح غير قابل للتنفيذ في الوضع الحالي، لأن كل الشركات التي تتولى عمليات الكنس تتكبّد معظم أكلافها بالدولار، من دون نفيه أن يكون بعضها بالليرة اللبنانية. وهنا تكمن العقدة، وبالتالي هناك صعوبة لتحقيق هذا الأمر.
عندما تنتهي مهلة العقود، يجب أن تصبح العقود الجديدة على مستوى محلّي، أي كل منطقة تنظم وتدير نفاياتها، إمّا عبر البلديات أو عبر متعهّدين يتولّون الأمر، يقترح ياسين، ويشير إلى “أننا كوزارة نقوم بدور جدي في موضوع النفايات الصلبة، عبر تطبيق القانون 80/2018 الذي يقضي بوضع التوجهات التي يجب أن تلتزم بها الوزارات والبلديات لإدارة النفايات الصلبة”، موضحًا أننا “وضعنا نصب أعيننا موضوع إنشاء الهيئة الوطنية لإدارة النفايات الصلبة التي تشكلها الحكومة لتتولى الإشراف على ادارة هذا القطاع، كما وضعنا خطة تشدد على لامركزية إدارة النفايات الصلبة، كي تُعطى البلديات وإتحادات البلديات قدرات وصلاحيات كبيرة في هذا المضمار، وبالتالي تعزيز الفرز من المصدر وتطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري وصولًا إلى إعادة تدوير النفايات وتصنيعها”.
لا حلول قبل انتهاء العقود
وتفيد معلومات “المدن” أن اجتماعًا عُقد في السراي الحكومي بين شركتي كنس النفايات “رامكو” و”سيتي بلو” من جهة ووزير البيئة والجهات المعنية مباشرةً في هذه القضية من جهة أخرى، كاشفة أن الاجتماع لم يثمر أي خطّة إنقاذية، حتى أن المعنيين الحاضرين تنصّلوا من مسؤولياتهم، حين أكدوا عجزهم وعدم قدرتهم على تغيير هذا الواقع أو إيجاد البدائل لرفع النفايات عن الطرقات. وبالتالي، سيبقى الوضع على حاله حتى انتهاء مهلة العقود وإطلاق مناقصات جديدة بمعايير مختلفة.