ممّا لا شكّ فيه أن الأزمة الاقتصادية كانت الصفعة الأقسى على لبنان ومواطنيه، انهيار الليرة اللبنانية عرّى الدولة بكلّ قطاعاتها وعيوبها. لكن ما شكّل كارثة حقيقية بالنسبة إلى المواطن هو انعدام التغطية الصحّية وانهيار صندوق الضمان الاجتماعي مع الليرة اللبنانية، ليصبح الاستشفاء والدواء حلمي الكثيرين.
هكذا حوّلت الأزمة الاقتصادية المواطن المضمون إلى مواطن “محروم” بات عليه تحمّل أعباء التكاليف الصحية بكاملها. وعوض أن يسترجع المضمون 80 في المئة من قيمة فواتيره الصحية انخفضت تلك النسبة إلى 10 في المئة، ما جعل الطبابة حكراً على الميسورين في لبنان.
يشرح المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي في حديثه لـ”النهار” عن تغطية الضمان بنحو 50 في المئة من قيمة العمل الجراحي المقطوع والتي تشمل بدل 3200 عمل جراحي منها الزائدة الدودية، المرارة، عملية القلب المفتوح، عمليات المسالك البولية… وبناءً على ذلك، تعهّد الضمان بتغطية كلّ العمليات الجراحية الموجودة في وزارة الصحة بعد ضربها بنحو 20 مرة عما كانت عليه في وزارة الصحة.
يصف نقيب المستشفيات الخاصة الدكتور سليمان هارون في حديثه لـ”النهار” هذه الخطوة بالإيجابية، بعد تسلّمه لائحة بالتعرفات الجديدة من المدير العام لصندوق الضمان الاجتماعي خلال الاجتماع الذي عقد معه اليوم.
وعن رأيه بهذه التعرفات الجديدة، يؤكد هارون أنّنا في حاجة إلى دراستها والتعمّق بها والتأكّد ممّا إن كانت هذه التعرفات الجديدة قادرة على تغطية المصاريف، وأن تكون عادلة. ومع ذلك، نعترف بأنها خطوة إيجابية من الضمان لحلحلة المشكلة، وسنسعى إلى التعاون معاً من أجل صحة المواطن.
من جهته، يقول كركي إنّ “تقديمات الضمان يجب أن تزيد حوالى 40 مرة، وبالفعل سنباشر في 1 نيسان بتنفيذ تطبيق هذه التعرفة الجديدة وتعميمها على المستشفيات. كما سننشر لوائح الأعمال الطبية والجراحية المقطوعة المعتمدة من الضمان حتى يعرف المريض ما له وما عليه (تغطية الضمان والفروقات التي يجب عليه دفعها لكلّ عمل جراحي مقطوع)، وبالتالي يغطي الضمان نصف القيمة فيما يجب على المريض أن يتكفل بتغطية النصف الآخر من الفاتورة أو العمل الجراحي”.
إذن، لكلّ عمل جراحي كود خاص به يُحدد على أساسه عدد أيام المكوث في المستشفى والمبلغ المقطوع له. والهدف وفق كركي تسريع المعاملات وتصفيتها بشكل أسرع والأهم من ذلك ضبط التلاعب والهدر في فواتير المستشفيات.
كذلك سيلجأ صندوق الضمان الاجتماعي إلى إجراء عقود مصالحة مع كل المستشفيات عن الفترات الماضية أي قبل 2002-2003، وهناك حوالى 50 إلى 70 مستشفى جاهزاً لإجراء عقود مصالحة لتسوية الماضي. وبالمبدأ، نتوقع أن تستقيم الأمور بيننا وبين المستشفيات والأهم توفّر دليل يمكن العودة إليه لكلّ الأعمال الجراحية المقطوعة.
وعن التزام المستشفيات بهذه التغطية الصحية الجديدة للضمان، يؤكد كركي أن “هناك عقوداً مع كلّ المستشفيات، وبالتالي عدم التزام المستشفى بالعقد والتعرفات سيؤدي إلى فسخ العقد حبياً مع أي مستشفى لا يريد الالتزام بالتعرفة. ومع ذلك لا مصلحة لأيّ مستشفى في لبنان بعدم التعاقد مع صندوق الضمان الاجتماعيّ، لأننا مسؤولون عن تغطية حوالى 40 في المئة من الشعب اللبناني.
أتفهّم جيداً عندما تكون التعرفة بعيدة جداً عن الواقع، أن يعلن المستشفى قراره بعدم تطبيق هذه التعرفة لتفادي الخسارة. مثال مرضى غسل الكلى أكبر دليل على ذلك، حيث تطبق كلّ المستشفيات التعرفة المحددة من دون أخذ فروقات، والسبب أن التعرفة زادت حوالى 60 مرة عما كانت عليه قبل الأزمة. وبالتالي عند تحديد تعرفة مقبولة وعادلة لا يمكن لأحد أن يطالب بزيادة، وهذا ما نعمل عليه اليوم.
أمّا بالنسبة إلى تغطية الأدوية، فكان كركي قد أعلن عن رفع مساهمة الضمان في الفاتورة الدوائية للأمراض المزمنة “الجنيريك” إلى 60 في المئة من سعرها المحدّد في وزارة الصحّة العامّة، أمّا دواء “البراند” فزادت نسبة تغطية الضمان له 30 في المئة. وقد دخل هذا القرار حيّز التنفيذ اعتباراً من 26/2/2024، فأصبح بإمكان المضمون البحث عن اسم الدواء وسعره وقيمة مساهمة وتغطية الضمان له.
وفق كركي، إنّ “الخطوة الأولى تتمثل بالأدوية الأساسية التي تشمل الأمراض المزمنة ويبلغ عددها حوالى 630 نوعاً. كما يدرس الضمان لائحة بالأدوية السرطانية والمستعصية بالإضافة إلى لائحة 3 من الأدوية تضمّ حوالى 700 نوع، في انتظار أن تتوفّر الإمكانيات المالية حتى يتمكن الضمان من زيادة التعرفة عليها وتعزيز الخدمات الصحية للمضمونين”.
ويشدّد على “أنّنا نسعى إلى تحسين واقع الخدمة الصحية تدريجاً حسب الإمكانيات المالية. على سبيل المثال، إن زيادة الحدّ الأدنى للأجور إلى 18 مليون ليرة والسقوف إلى 90 مليون ليرة لبنانية ستسهم في إدخال إيرادات إضافية، وبالتالي سينعكس ذلك من خلال تقديمات مباشرة للمضمونين”.