مع أن سوابق أكثر من أن تحصى سجلت وتسجل سنوياً في الظروف والوقائع المعقدة والصعبة المواكبة لموسم الأمطار والثلوج، فإن أي سابقة “طوفان” حقيقي وبالحجم الهائل الذي حصل ما بين ليل الجمعة وصباح السبت الفائتين لم تكن قد سجلت بعد. لكأنّ لبنان كلّه تحوّل الى بحيرة عائمة عملاقة ولو أن طوفان نهر بيروت وحده استقطب معظم الأضواء نظراً لفداحة الأضرار التي تسبب بها. إذ إن فيضانات أخرى بالعشرات اجتاحت مختلف المدن والمناطق اللبنانية ساحلاً وجبلاً ورسمت أحد أسوأ المشاهد عن دولة لبنان المتخلفة الفاشلة ومع الإدارات والوزارت المعنية بكل مجالات الخدمات العامة كما والبلديات إذ انكشف مرّة جديدة عقم التبريرات التي تساق للاختباء وراء غزارة الأمطار وحجب الإهمال والتقصير الإداري من جهة والاهتراء الواسع في البنى التحتية من جهة أخرى.
وفي غضون ما لا يقل عن أربع وعشرين ساعة تظهر مشهد البلد المتخلف بأسوأ مظاهره دافعاً الى صدارة “الحدث” الداخلي عشية عيد الميلاد الصورة الأشد تنفيراً بل إثارة للانطباعات القاتمة حيال هذا الجانب من الواقع اللبناني البائس. وما زاد طين هذه القتامة بلة التراشق المتسارع بين الوزارات والإدارات والهيئات المعنية بالخدمات بالمسؤوليات وغسل الأيدي ونفضها فيما لوّح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتحقيق إداري وقضائي في أوجه التقصير والإهمال التي ساهمت في هذه الكارثة التي حوّلت الطرق الى برك وانهار جارفة، واجتاحت السيول المنازل والمستشفيات وحجزت الناس في سياراتهم وتسببت بمقتل 4 أطفال سوريين في مزيارة بعد انهيار سقف منزلهم عليهم.
وتفقّد الرئيس ميقاتي بعد ظهر أمس أعمال فتح الطرق التي أقفلتها السيول والأتربة بفعل العاصفة المناخية القوية التي يشهدها لبنان، لا سيما في منطقة الكرنتينا ومجرى نهر بيروت. ورافقه في الجولة محافظ مدينة بيروت مروان عبود الذي شرح له الأسباب التي أدت الى فيضان نهر بيروت والمعالجات الطارئة التي اتخذت والإجراءات التي سوف تستكمل بعد انحسار العاصفة منعاً لتجددها.
وخلال الجولة أكد رئيس الحكومة ان ما حصل سيكون محور ملاحقة إدارية وقضائية لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصّرين. وجدّد توجيه التحية الى عناصر الدفاع المدني وإطفائية بيروت على الجهود التي بذلوها من أجل انقاذ المواطنين الذين حاصرتهم السيول وفتح الطرق وعلى عمليات الإنقاذ الطارئة التي قاموا بها.
في المقابل، تقاذفت الأجهزة والوزارات المسؤولية عما حصل. واعتبر وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية أن مسؤولية الاعتذار مما حصل في موضوع طوفان منطقة الكرنتينا “لا تقع على عاتقه، لأنها ليست من صلاحيته والموضوع يتعلق ببلدية بيروت وبوزارة الطاقة والمياه”، وقال: “المطلوب توجيه السؤال عما حصل في نهر بيروت إلى كل من رئيس بلدية بيروت ووزير الطاقة”. وأكد أن “الأمر ليس تقاذف مسؤوليات بل تحديد مسؤوليات، لأن وزارة الأشغال هي وزارة في الحكومة وليست دولة وهي جزء من الدولة”.
وبدورها قالت دائرة العلاقات العامة في بلدية بيروت في بيان أصدرته “أنه لم تحصل أي طوفانات للطرق جراء الأمطار المتساقطة في مدينة بيروت بسبب عمليات تنظيف أقنية الصرف الصحي ومصارف مياه الامطار في وقت سابق، أما الحادثة التي حصلت وأدت الى فيضان نهر بيروت فهي ليست من مسؤولية بلدية بيروت انما من مسؤولية ادارات أخرى كونها تابعة للاملاك العامة النهرية”.
في غضون ذلك، وفيما دخلت الحركة السياسية في البلاد في عطلة حضرت التطورات في الرسالة التي وجهها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى اللبنانيين بمناسبة عيد الميلاد، وممّا جاء فيها “ما أحوج المسؤولين السياسيّين عندنا في المجلس النيابيّ والحكومة والأحزاب والتكتلات النيابيّة إلى نور كلمة الله الذي ينير الضمائر، لكي يخرجوا أحراراً من ظلمة مصالحهم الخاصّة والفئويّة، ولكي يخرجوا البلاد من نفق الفراغ الرئاسيّ في أدقّ وأخطر مرحلة من تاريخ لبنان! ونردّد ونقول لهم “إنّكم ترتكبون جرماً بحقّ رئاسة الجمهوريّة والمؤسّسات الدستوريّة والشعب اللبنانيّ، فيما تتمادون في رهن إنتخاب رئيس الدولة إلى شخص أو مشروع أو هدف مستور، والضحيّة هي الدولة بكيانها والشعب بحقوقه السليبة. لقد رحّب الرأي العام الداخلي والخارجيّ بقرار التمديد لمدّة سنة لقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنيّة بموجب القاعدة العامّة: “خلاص الوطن هو الشريعة الأسمى. فكم بالأحرى إنتخاب رئيس للدولة، وحمايتها من تفكّك مؤسّساتها، وتشتيت شعبها، وغياب رأسها عن طاولات المباحثات الجارية في العواصم بشأن هذه المنطقة الشرق أوسطيّة الملتهبة بحروبها ونزاعاتها، ولبنان في طليعتها”. وسأل “هلّا قلتم لنا لماذا تريدون خراب الدولة بعدم انتخاب رئيس لها؟ وأنتم تعلمون جيّدًا أنّ لا دولة من دون رئيس! يتكلّمون عن التوافق حول شخص الرئيس. هذا التوافق يتمّ أثناء دورات الإنتخاب المتتالية عملًا بقاعدة الديموقراطيّة. والبرهان مرور سنة وثلاثة أشهر من الفراغ، من دون جدوى”.
على صعيد آخر، وفيما تتصاعد المواجهات الميدانية في الجنوب بين “الحزب” وإسرائيل، أعلن أمس أن الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصر الله سيتحدث يوم الأربعاء في الثالث من كانون الثاني المقبل عند الساعة السادسة مساء.
وفي مجريات المواجهات الحدودية، استهدفت غارة إسرائيلية ليل أمس منزل المواطن ابراهيم سلامة في عيترون فدمّرته، ونعى “الحزب” في بيان “حسين سلامة من بلدة عيترون والذي ارتقى شهيداً على طريق القدس”.
وفي هذا السياق أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” معلومات مفادها بأن الرئيس الأميركي جو بايدن أقنع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعدم توجيه ضربة استباقية الى”الحزب ” بعد السابع من تشرين الأول الماضي محذراً من أنها ستؤدي الى إقليمية واسعة. وحذّر بايدن في وقت سابق، نتنياهو من عواقب عمليات القصف العشوائي التي تقوم بها إسرائيل في غزة، والتي “ستكلفها فقدان الدعم الدولي لها” داعياً نتنياهو إلى “تغيير حكومته”. ولكن مكتب نتنياهو أصدر بياناً أكد فيه أن “إسرائيل تعمل منذ البداية على حسم المعركة في الجنوب وتحقيق الردع في الشمال ولا صحة تالياً لتقرير وول ستريت جورنال”.