القضاة والدبلوماسيّون ضحايا “نهاية العهد”

بموازاة التحالف الانتخابي الهشّ بين حركة أمل والتيار الوطني الحر في الدوائر الانتخابية باستثناء صيدا – جزين، تجدّدت جولات الكباش بين الطرفين على خلفيّة تجميد وزير المال يوسف خليل مرسوم تعيين رؤساء غرف محاكم التمييز.

وصل الأمر إلى حدّ توجيه رئيس الجمهورية ميشال عون اتّهامات صريحة للثنائي الشيعي ووزير المال بالكذب والعرقلة قائلاً: “ليس هناك من أخطاء أساسية في المرسوم، هناك عرقلة، ويجب أن تعلموا من يعرقل، فليتوقّفوا عن الكذب عليكم”، متسائلاً: “من أوقف جلسات مجلس الوزراء؟”.

استدعى الأمر ردّاً مباشراً من نائب حركة أمل علي حسن خليل ذكّر فيه رئيس الجمهورية بعرقلته لمرسوم التشكيلات القضائية منذ عامين، ومرسوم الناجحين في مجلس الخدمة المدنية، معتبراً أنّ رئيس الجمهورية لا يستطيع “الضغط في اتجاه توقيع مرسوم مخالف للتوازنات عندما أضيفت غرفة إلى غرف محكمة التمييز، حتى حصل خلل كبير، وصرنا بهيئة عامّة لمحكمة التمييز غير متوازنة”.

هذا جزءٌ من الحرب المفتوحة بين الرئاستين الأولى والثانية يتوقّع مراقبون أن تزداد حدّتها في الأمتار الأخيرة قبل نهاية العهد مع مفارقة سوريالية تُترجم بالتحالف الانتخابي بين التيار وحركة أمل في الدوائر الانتخابية.

عمليّاً تُضاف إشكالية التشكيلات القضائية المرتبطة برؤساء غرف التمييز إلى أزمة التشكيلات الدبلوماسية التي لن ترى النور بصيغتها الشاملة قبل نهاية عهد ميشال عون.

في هذا السياق، نُقِل عن وزير الخارجية عبدالله بو حبيب يأسه من محاولة إقرارها، معترفاً أمام من يلتقيهم بأنّه “بالَغَ في تقدير موقف القوى السياسية منها. فنظراً إلى ضرورة إقرارها ربطاً بالظلم الذي يلحق بالعديد من السفراء، خصوصاً أولئك الذين يعملون في الإدارة المركزية. ونظراً إلى الحاجة الملحّة للتعيين حفاظاً على الجسم الدبلوماسي ومعنويّاته، توقّعتُ تجاوباً من المعنيين الأساسيين بها، لكنّ الاعتبارات السياسية كات أقوى، إضافة إلى مصالح بعض الدبلوماسيين الذين يستفيدون من العرقلة”.

تعيينات رؤساء غرف التمييز

في 21 آذار الماضي وفي غمرة الحديث عن تعيينات قضائية جديدة لاختيار بدلاء عن رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ومدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات وقضاة كبار، وبعد خلاف عميق على بعض أسماء قضاة غرف التمييز، صدر قرار عن مجلس القضاء الأعلى بملء الشغور في رئاسات غرف التمييز.

كان يُفترض بناءً على هذه الخطوة معاودة الهيئة العامة في محكمة التمييز جلساتها التي تنظر في دعوى مخاصمة الدولة، في ملفّ تفجير مرفأ بيروت، المقدّمة من النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر بوجه رئيس الغرفة الأولى لمحكمة التمييز القاضي ناجي عيد، الذي أُبقي إثر تعيينات مجلس القضاء في مركزه رئيساً للغرفة الأولى في محكمة التمييز. قُدّم الدعوى خليل وزعيتر أمام الهيئة العامة بعد ردّ القاضي عيد طلبهما لردّ القاضي طارق البيطار، باعتباره مكلّفاً من الهيئة العامة للمحكمة للنظر بطلبات ردّ البيطار في تحقيقات ملف المرفأ.

بدأت رحلة المرسوم مع إقراره بعد طول انتظار في مجلس القضاء الأعلى، ثمّ توقيع وزير العدل هنري خوري عليه، واستقرّ بين يدي وزير المال الذي يرفض توقيعه.

انقسام إسلامي – مسيحي

تضيء الأسباب الموجبة لرفض التوقيع هذه المرّة على “واقع قضائي” سائد منذ سنوات طويلة، وهو أنّ عدد أعضاء رؤساء غرف التمييز مع رئيسها هو 11 (6 مسيحيين 5 مسلمين)، وهو ما يُعتبر خللاً في التوازن الطائفي. صحيح أنّه قائم منذ سنوات، لكن هذه المرّة يكتسب أهميّة قصوى، وفق رأي مؤيّدي عدم توقيع المرسوم، ربطاً بملفّ بحجم تفجيرات المرفأ وسلوك بعض القضاة حياله.

تركيبة رؤساء غرف التمييز اليوم هي 5 قضاة مسيحيين و5 قضاة مسلمين برئاسة قاضٍ مسيحي هو رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود.

تفيد المعلومات في هذا السياق أنّ موقف وزير المال، بإيعاز من الثنائي الشيعي، لا رجوع عنه. يقابله إصرار من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى على عدم التراجع عن التعيينات بصيغتها المُقرّة.

في المقابل، تلوّح أوساط رئاسة الجمهورية بأنّ عون ستكون له مواقف أكثر وضوحاً وحزماً في حال الإصرار على تجميد المرسوم الذي من شأنه إدخال تحقيقات المرفأ في “كوما” ستستمرّ إلى ما بعد الانتخابات النيابية والرئاسية.

توضح أوساط قضائية لـ”أساس”: “أُدخِلَ المرسوم في بازار الكباش السياسي الدائر حول تحقيقات المرفأ وأداء القاضي البيطار، وبالنتيجة لن تُستأنف التحقيقات قبل حلّ هذه المعضلة. مع العلم أنّ هناك 11 قاضياً بالاسم، لكن بالفعل من يرأس هم عشرة فقط ومناصفة بين المسلمين والمسيحيين. هذا الواقع قائم منذ نحو 15 عاماً من أيام رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم، ولم يُعترض عليه إلا الآن.

من ناحية أخرى يعترض الثنائي الشيعي على ثغرة في المرسوم ترتبط بوجود قضاة في الهيئة العامة لمحكمة التمييز منتدبين في الوقت نفسه في مراكز قضائية أقلّ، كما هي الحال مع القاضي أيمن عويدات المنتدب رئيس استئناف، والقاضي منيف بركات المنتدب نائباً عامّاً في البقاع.

لكن مصادر قضائية تُرجّح أن يكون الخطأ الأساس في المرسوم هو تعيين قاضيين مارونيين ضمن الحصة المسيحية إضافة إلى الرئيس الأول لمحاكم التمييز الماروني (رئيس مجلس القضاء الأعلى) ما يرفع عدد القضاة الموارنة في هيئة رؤساء غرف التمييز إلى ثلاثة!!

تفيد معلومات أنّ إحالة القاضية رولا المصري (سنّيّة) إلى التقاعد سيفتح الباب أمام تعديل المرسوم، لكن من دون تبلور صورة المخرج لحلّ العقدة الأساسيّة.

التشكيلات الدبلوماسيّة

على خطٍّ آخر، تبرز معضلة التشكيلات الدبلوماسية التي تتنازعها الفيتوات والمطالب المتضاربة. وزير الخارجية “استسلم” بعدما جلس أكثر من مرّة مع ممثّلي القوى السياسية في محاولة لتفكيك الألغام، والتقى مباشرة رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة.

أمّا النتيجة فهي مراوحة قاتلة تُرجمت تداعياتها السلبية من خلال تأكيد مصادر دبلوماسية أنّ الوضع سيّء لدرجة أنّ بعض السفراء قد يُضطرّون إلى العودة إلى بيروت مرغمين لصعوبة الاستمرار في مهامّهم.

توضح المصادر لـ “أساس”: “منذ ثلاثة أشهر لم يقبض الدبلوماسيون في الخارج رواتبهم، ومنذ نحو ستة أشهر لم يتسلّموا نفقات البعثة التي تغطّي الإيجارات ورواتب الموظفين واحتياجات السفارات في الخارج”، مؤكّدة أنّ بعض “السفارات اللبنانية في الخارج تلقّت إنذارات بإخلاء مبنى السفارة في حال عدم تسديد المبالغ المستحقّة عليها”.

يُذكر في هذا السياق أنّ وزير الخارجية يصدر تدريجاً أوامر مهمّة يتمّ من خلالها سدّ الشغور في بعض المراكز في الخارج عبر انتقال بعض موظفي الإدارة المركزية إليها. وهو إجراء مؤقّت بغية “تسكير” الشغور، لكنّه غير كافٍ، ويمكن مَن تشملهم هذه القرارات أن يُثبّتوا لاحقاً في مواقعهم.

في السنوات الماضية ارتفع تدريجاً عدد السفارات اللبنانية الشاغرة في عواصم العالم، ومنها سفارات أساسية، إضافة إلى انتهاء المدّة القانونية لشغل سفراء مواقعهم في الخارج، المحدّدة بعشر سنوات للفئة الأولى وسبع سنوات للفئة الثانية. إضافة إلى تجاوز مهلة السنتين التي تقتضي بعد إتمامها نقل سفراء ودبلوماسيين من الإدارة المركزية إلى البعثات في الخارج.

Exit mobile version