عندما تكون الدولة اللبنانية عاجزة عن الدّخول في الاقتصاد الى هذا الحدّ، و”مُسيِّرَة” لشؤون “العصابات” التي تقطع السّلع عن الناس، وتُطالِب بالمزيد والمزيد للإفراج عنها، يحقّ لنا في تلك الحالة أن نقلق من أي شيء تفعله (تلك الدولة)، وحتى من برنامج “صندوق النّقد الدولي” نفسه، إذا نجحت في الحصول عليه.
فالصّعوبات المعيشيّة للّبنانيّين ليست وليدة الأزمة الاقتصادية والمالية وحدها، ولا نتيجة للحرب الروسية على أوكرانيا، ولا يُمكن شرحها بالأرقام والمنطق فقط، بل هي مسألة طمع، وجشع، واحتكار، وقطع سلع وبضائع عن الناس، بالنّسبة الأكبر منها، بموازاة الصّراخ والمُطالَبَة بالمزيد والمزيد من دولة، غير قادرة على التدخّل في أي شيء، حتى على صعيد لَجْم الانهيار على الأقلّ، إذا كانت عاجزة عن وضع حدّ له.
والنتيجة، هي تحويل الشّعب اللبناني الى “درع بشري”، تستخدمه “العصابات”، مرّة بالمحروقات، ومرّة بالقمح، أو الخبز، أو الدواء… لتقصف الدولة، فيما تلك الأخيرة تُنهي القصف بقصف، وهو إعطاء تلك “العصابات” ما تريده من جيوب الناس، الذين يدفعون ثمن الانهيار، والفساد، والابتزاز…
قد يكون ما نحتاجه، في مثل تلك الحالة، هو رسم سياسة اقتصادية جديدة للمستقبل، نحتفظ فيها بالاقتصاد الحرّ، وذلك مع منح الدولة هوامش أوسع، وقدرات أكبر، للتدخُّل في اقتصادها عند الضّرورة، وفي أوقات الأزمات، بما يحمي الشّعب اللبناني.
فبرنامج “صندوق النّقد الدولي” وحده، قد لا يكون كافياً لشيء، خصوصاً إذا بقيَ الشعب اللبناني “درعاً بشرياً” لسرقات “العصابات”، بصمت وموافقة رسمية ضمنيّة، اضطرارية، وغير اضطّرارية.
فعلى سبيل المثال، رأينا كيف أن السلطات الفرنسية قرّرت قبل أسابيع، ضخّ مساعدات لدعم أسعار الوقود، من خلال خفض فاتورة تعبئة خزانات السيارات في محطات التزوُّد.
وبمعزل عن الاعتبارات السياسية التي تتحكّم بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل الانتخابات الرئاسية هناك، إلا أن هذا القرار كان نتيجة مساعٍ لتقليل تأثير الأزمات على المواطنين الفرنسيّين، بدأت منذ ما قبل اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، ومن بينها تقديم مساعدات للأُسَر الفرنسية الفقيرة، لتمكينها من تسديد فواتير الطاقة المحلية، منذ ما قبل أشهر.
أما في لبنان، فيتنقّل الفقير بين الدّفع، والدّفع، والمزيد من الدّفع، من جيبه، لتمويل شهوات المال والجَشَع والسرقات، فيما الدولة تتفرّج، وتتفرّج، وتتفرّج.
أكد مصدر واسع الاطلاع أنه “ما عاد يمكن فعل شيء في لبنان، إلا بعد وضع اللّمسات الأخيرة على برنامج مع “صندوق النّقد الدولي”، والبَدْء بتطبيقه”.
ولفت في حديث لوكالة “أخبار اليوم” الى أن “هذا البرنامج بات بمثابة جواز السّفر الذي يمكّن اقتصادنا من الاتّجاه نحو النّهوض مجدّداً، وليس هو الرّحلة كلّها. وبالتالي، نحتاج الى “الصندوق” لفتح أبوابنا أمام الاستثمارات. فشروط استقطاب تلك الأخيرة الى لبنان، هي هذا البرنامج”.
وأوضح المصدر أن “صندوق النّقد” يُطالِب الدولة اللبنانية بنقاط حسّاسة، يُطالبها بها المجتمع الدولي منذ سنوات، وعلى رأسها الإصلاحات الماليّة والمصرفيّة. والفارق بين اتّباع برنامج معه (“الصّندوق”) أو لا، هو أنه قادر على أن يراقب، ويتابع. وهو ما يعني أن المجتمع الدولي سيراقب ويتابع لبنان، عبر “صندوق النّقد”.
وختم: “الحاضنة السياسية الدولية التي ترافق “الصّندوق”، هي التي ستنهض باقتصاد لبنان. ففي النهاية، نسبة مهمّة من قراراته هي في يد الولايات المتحدة الاميركية، وهي بذلك قادرة على أن تلعب دوراً أساسياً في تحشيد الدّعم للبنان، طبعاً بعد تطبيق الإصلاحات الضرورية. وهذا كلّ ما هو مُتاح أمامنا كلبنانيين، وكدولة لبنانية، من الآن والى ما بعد مدّة زمنية طويلة”.