يواجه القادة الغربيون الذين يسعون لبناء تحالف عالمي لعزل روسيا بسبب حربها على أوكرانيا معارضة من أكبر الدول النامية في العالم، بما في ذلك ديمقراطيات الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
وتحد المقاومة، التي يعود معظمها إلى المصلحة الذاتية الاقتصادية، من الضغط على الرئيس فلاديمير بوتين، وتسلط الضوء على الفصائل في المجتمع العالمي التي تتذكر الحرب الباردة، عندما حاولت العديد من الدول الابتعاد عن التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض الدول النامية تنظر إلى الحرب في أوكرانيا على أنها “مشكلة أوروبا”، ولا يريدون أن يتم استخدامهم كوكلاء في معركة بين القوى العظمى.
خلال الحرب الباردة، شكلت ما يصل إلى 120 دولة حركة عدم الانحياز للإبحار في التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
وفرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا وأماكن أخرى عقوبات اقتصادية على روسيا، وقدمت مليارات الدولارات كمساعدات عسكرية لأوكرانيا منذ الغزو في 24 فبراير.
وحتى بعد مذبحة المدنيين في بوتشا بأوكرانيا، صوتت 24 دولة من 141 دولة عضو في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي ضد عزل روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وامتنعت 58 دولة عن التصويت بما في ذلك الهند والبرازيل والمكسيك وإندونيسيا وجنوب أفريقيا.
واتهم زعماء الولايات المتحدة وأوروبا بوتين بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، لكن رفض القادة في العالم النامي من المكسيك إلى الهند انتقاد الزعيم الروسي.
ويفتح غياب دعم الدول النامية سبلًا أمام روسيا للالتفاف على العقوبات الغربية، ويسمح لموسكو بالقول إنها تحتفظ بدعم الدول في جميع أنحاء العالم.
كانت السعودية، التي لديها شراكة أمنية تاريخية مع الولايات المتحدة، امتنعت عن إدانة الغزو الروسي ورفضت دعوة واشنطن لضخ المزيد من النفط لترويض الأسعار المرتفعة.
قبل يوم من وصول الرئيس بايدن إلى أوروبا الشهر الماضي لتعزيز الدعم الدولي لأوكرانيا، التقى سفراء ما يعرف باسم اقتصادات البريكس- البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا- مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، من أجل محادثات حول تعزيز التعاون المتبادل.
في الاجتماع الذي استمر لمدة ساعة، وغطاه التلفزيون الروسي الحكومي، أخبر لافروف السفراء أن موسكو كانت ضحية “حرب اقتصادية غير مسبوقة”.
وقال وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار، في اليوم الذي امتنعت فيه بلاده عن التصويت في الأمم المتحدة ضد روسيا “موقفنا هو أننا مع السلام. قرارات السياسة الخارجية الهندية تتخذ من أجل المصلحة الوطنية الهندية، ونحن نسترشد بفكرنا وآرائنا ومصالحنا”.
ولا تريد الهند، الحليف القديم لروسيا، عزل موسكو وتقريبها من الصين، المنافسة الإقليمية لها.
مخاوف اقتصادية
ولقد نصب القادة الصينيون أنفسهم متحدثين نيابة عن الدول النامية حول الغزو الروسي لأوكرانيا. بعد لقائه مع وزراء خارجية أفريقيا وآسيا، تحدث وزير خارجية الصين، وانغ يي، عن قلق بين الدول النامية من الضغط عليها لاتخاذ مواقف أخلاقية بشأن القضايا الدولية المعقدة.
وشهد العقدان الماضيان تحولا في نظرة العالم النامي إلى الولايات المتحدة وروسيا والصين. فقد أنفقت موسكو المليارات لتوسيع العلاقات التجارية والدبلوماسية والعسكرية، من بيع الأسلحة إلى فنزويلا والهند إلى توصيل صادرات القمح إلى معظم أنحاء أفريقيا.
ويخشى المسؤولون في الاقتصادات الناشئة الذين يحاولون التعافي من جائحة كورونا من العقوبات الغربية أن تزيد الأمور سوءًا.
في السودان، الذي يستورد حوالي 80٪ من قمحه من روسيا وأوكرانيا، تضاعف سعر الخبز تقريبًا بسبب اضطرابات الاستيراد.
كما أدانت مصر، الحليف العسكري للولايات المتحدة، الغزو الروسي في الأمم المتحدة ثم انتقدت العقوبات الغربية. وقال محللون إن الاستجابة المختلطة تعكس مخاوف من أن واشنطن قد تخفف من علاقاتها الأمنية التي استمرت لعقود في الشرق الأوسط، وبالتالي قد تعتمد على موسكو للحصول على الأسلحة، بحسب وول ستريت جورنال.
بالنسبة لبعض الدول، يعكس رفض انتقاد روسيا الرغبة في إرضاء الصين، فقد عززت بكين موقعها كشريك تجاري رئيسي في معظم دول أميركا الجنوبية.
كما ارتفعت تجارة بكين الثنائية مع أفريقيا بنسبة 35٪ العام الماضي إلى مستوى قياسي بلغ 254 مليار دولار، وهو رقم أعلى بكثير من تجارة القارة مع الولايات المتحدة.
مع استثناءات قليلة، صوتت الحكومات في أميركا اللاتينية لصالح قرار الأمم المتحدة الذي يدين الغزو لكنها رفضت الانضمام إلى العقوبات.
وقال بريان وينتر، محرر مجلة “أميريكاس كوارترلي”، إن نهج عدم الانحياز متجذر في سياسة بعض دول أميركا اللاتينية ويقولون إنه “من المفيد عدم الانحياز” لأي طرف إذا امتدت الحرب إلى معركة التأثير العالمي التي تشنها الولايات المتحدة والصين.
وأضاف وينتر: “إذا كنا ندخل حقبة جديدة من صراع القوى العظمى، فإن معظم حكومات أميركا اللاتينية تفضل عدم التنازل عن هذا النهج”.