العلاقة بين الجدار والإنسان علاقة جدليّة، يبني الجدار ليهدمه، ثمّ يعيد بناءه من جديد،وليست كلّ الجدران تحمي من وراءها، بل إنّ كثيرًا منها يؤذي، ويتسبّب لمن ورائها بأكثر من دمار وهلاك وعزلة تاريخيّة.
منذ زمن؛ ونحن نقرأ، ونسمع عمّن يريد أن يحطّم أسوار القدس، وآخر يريد أن يهدّم أسوار مكّة، وغيره يريد أن يدمّر كلّ الجدران الّتي تعيق ظهور المهدي. حتّى بلغ الأمر بأحدهم أنّ يشدّ العزم على بلوغ جدران معراب.
علمًا أنّ القدس ليست ممنوعة على أحد، وليس لمكّة أصحاب غير السّاعين إلى الإيمان بالخير والإنسان، ولا شيء يمنع المغيّب من الظّهور لخلاص الإنسان، وكلّ الّذين مرّوا بمعراب يعلمون ألّا جدران لها.
الأمر كلّه ليس أكثر من أزمات نفسيّة، ومتلازمة حقد؛ ولّدها الجهل المتراكم في العقول والنّفوس المستهلكة، ولكن لنسأل أنفسنا: وماذا بعد ذلك؟!
• لقد طرد المسلمون اليهود من أرضهم في كثير من المناطق العربيّة، فهل حقّقوا الأمن والرّاحة عبر هذا الطّرد الّذي مرّ عليه قرونًا؟!
• كذلك طرد المسلمون كثيرًا من المسيحيين من أملاكهم، وأرغموا كثيرًا منهم على اعتناق الإسلام، فهل دانت لهم الأرض؟!
• وصلت جيوش المسلمين إلى مشارق الدّنيا ومغاربها، وماذا حصل؟!
لا شيء أكثر من تأزيم المأزوم، وتعزيز التّوتر والكراهيّة والحقد، فلندع الادعاء بما يرضي اللّه، وكفانا كذبًا واضطرابًا.
ولتعلموا أن بإمكان أيّ منكم أن يقصد وفي أيّ وقت أكان ليلًا أم نهارّا معراب، ويقضي فيها وقتًا؛ يلتقي أهلها، ويعود منها بصداقات محبّة، وتعارف إنسانيّ.
فلا حاجة لحشو الأنفس بالتّهديد والكراهية تجاه من لا يشبهها، وما عادت تحتمل العقليّة الإنسانيّة فكرة الإكراه والاعتداء والتّهديد والإصرار على أمنية إذلال الآخر.
وبدلًا من تلك اللّغة الّتي لا تصدر إلا عن جاهل جبان، افتحوا أبوابكم، وهدّموا جدرانكم، الّتي تقيمونها في أوهامكم، وادعوا النّاس إلى ما وراءها، حيث لا يوجد، خلفها أكثر من فقر وجوع وحرمان، يوظّف لقتلكم وقتل أحلامك، فلا شيء في معراب يفرّج كربتكم، ولا شيء في معراب يفرّغ حقدكم.
لا شيء فيها أكثر من بشر يعيشون للحبّ. للسّلام. لخير البلد والإنسان.، ولا شيء في القدس تؤمّن إزالته فرح البشر وحبّهم، ولا شيء في مكّة يمنع اللّه عن أمثالكم من الخلق.
فأفيقوا من فقركم. أفيقوا من جهلكم، أريحوا أنفسكم من عبادة إله النّار والغضب، ذاك الّذي يقتاتكم يابسين وخضرًا.
فجدران ما تكرهون معمّرة بالحبّ والفرح والخير لكم ولسواكم، ومهما هدّمتموها لن تحصدوا أكثر من الجوع لكراهية جديدة.
والحل كلّ الحل بالحبّ.