مجرد الكلام عن تقارب سوري- سعودي يتبادر إلى أذهان البعض في الداخل اللبناني أن الجنة باتت تحت أقدام الممانعة، أو أن لعنة جديدة ستحلّ فوق رؤوس فريق المعارضة. والصحيح أن أحداً لا يمكنه حتى اللحظة ترقب أية نتائج لأن الوقائع تؤشر إلى أن لبنان يأتي في آخر سلم ترجمة الإتفاق على صعيد مستقبل الإستقرار في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان.
في نص الإتفاق، يتبين أن لبنان وسوريا في قلب الاتّفاق السعودي – الإيراني. فهو نصّ على احترام سيادة الدول، أي عدم إخضاعها لإملاءات خارجية. وكان صرح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان عقب توقيع الاتّفاق من أنّ “الأزمة اللبنانية بحاجة إلى اتّفاق اللبنانيين” مما يعني أن مفاعيله لن تطال لبنان على صعيد الشأن الداخلي البحت وتحديدا مسألة انتخاب رئيس للجمهورية أو تشكيل السلطة.
وجاء كلام رئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيراني كمال خرازي الذي زار لبنان منذ 3 أيام والذي أشار فيه إلى أن”ربط الأزمة اللبنانية بالاتفاق السعودي – الإيراني ليس في محلّه”، ليؤكد بأن طهران تتصرّف وكأنّ الاتّفاق يقتصر على فكّ الاشتباك الإيراني – الخليجي في لبنان وسوريا مع الإبقاء على دور الحزب.
التسليم بهذه القواعد ضروري كونه يستند إلى نصوص واردة في الإتفاق، لكن ثمة نقطة أساسية توازي في خطورتها على المستوى الديمغرافي المخاطر الأمنية والسياسية التي تطرق إليها نص الإتفاق وتتعلق بملف النازحين السوريين في لبنان.
رئيس الإتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي الذي حمل الملف منذ عهد الرئيس ميشال سليمان وكانت له لقاءات مع وزراء عرب في مؤتمرات تعنى بشأن النازحين السوريين كونه ملفا وطنيا كبيرا يرى عبر “المركزية” أن التقارب السعودي -السوري بعد 10 أعوام من التباعد “فالخصومة بين الدول لا تأخذ أبعادا زمنية أكثر من ذلك لا بل أخذت حدود الدنيا في مسألة الخصومة بين السعودية وسوريا”.
هذا على المستوى علاقات الدول، أما سياسيا فيعتبر الخولي أن السعودية لن تترك السوريين في حضن إيران وخير دليل على ذلك اللقاءات التي حصلت بين مسؤولين سعوديين وسوريين بهدف إعادة سوريا إلى الحضن العربي قبل توقيع الإتفاق ولكن ضمن شروط قد تكون تبلورت أكثر في نصوص الإتفاق السعودي-الإيراني.
حول ملف النازحين وترجيح ضمه في سلة تداعيات الإتفاق على لبنان يجزم الخولي، أن هذا الأمر أبعد ما يكون عن الواقع كون الملف ممسوكا من مجموعة بروكسل في الإتحاد الأوروبي وبالتالي لا السعودية مهتمة في شأنه ولا حتى النظام السوري الذي يعتبره ورقة مهمة ويصر على الإمساك بها لأسباب عديدة.
النقطة الأولى تتعلق بمسألة الإمساك بالأرض فبعدما كان هناك 35 ألف جندي سوري محتل ويتحكمون بمراكز القرار في لبنان من خلال قيادة الإحتلال العسكري في عنجر، اليوم هناك مليونان ونصف نازح سوري تابعون للنظام ومن يقول العكس فليتذكر مشهد زحف النازحين السوريين المفترض أن يكونوا من المعارضين للنظام نحو السفارة السورية في فترة الإنتخابات.
المسألة الثانية وتتعلق بتنظيم العودة. وفي السياق، يوضح الخولي بأن العودة السريعة والعشوائية تفرض خللا في التركيبة السياسية في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري من هنا لا نية لإعادتهم. أضف إلى ذلك المنفعة الإقتصادية التي يحققها هذا النظام من عمل النازحين في لبنان وإدخال أموال إلى الخزينة السورية سواء بالعملة المحلية أو بالدولار الفريش الذي يقبضونه من المساعدات الإجتماعية التي يوفرها لهم الإتحاد الأوروبي.
وعلى ذكر الإتحاد يشير الخولي إلى أن أوروبا تعمل من خلال توفير هذا الكم من المساعدات الإنسانية والإجتماعية على إبعاد شبح وصول النازحين السوريين إلى أراضيها وتحمّل أعباء التكلفة التي سيفرضونها على حكومات دولهم. أبعد من ذلك يذهب إلى التأكيد بأن أياً من الدول العربية لن تقف في وجه الإتحاد الأوروبي الذي يمسك بملف النازجين السوريين في لبنان على المستويين الإنساني والإجتماعي كرمال عيون اللبنانيين وإنقاذهم من تمدد الخطر الديمغرافي اللاحق بهم.
كل هذه المقاربة تبقى أقل خطورة من مسألة التغيير الديمغرافي الذي يتسلل إلى العمق اللبناني ولا “تندهي ما في حدا”. فوجود مليونين ونصف نازح سوري عدا عن أكثر من 90 ألف مولود غير مسجلين يشكلون امتدادا لسوريا وهم على أهبة الإستعداد للتحرك بإشارة واحدة من النظام السوري.وهذا احتلال من نوع آخر .وأيا تكن المكاسب التي سيحققها التقارب السعودي-السوري إلا أنه لا يوازي المكاسب التي يحققها النظام من إبقاء النازحين السوريين في لبنان كما يتفوق أشواطا على مصالح سوريا من ملف التقارب.
إنطلاقا من ذلك يحذر الخولي من عدم اتفاق كافة المسؤولين السياسيين والروحيين حول ملف إعادة النازحين السوريين سيما وأن الخطر لا يقتصر على الطائفة المسيحية كما يروج البعض، إنما يشمل كل باقي الطوائف الإسلامية وإذا لم يتنبه المعنيون لخطر الإحتلال الديمغرافي وإذا ما استمر التقاعس “نكون كمن يتجرع السم بالقطارة”.
ويختم مستعرضا الحلول الواجب اتخاذها بأقصى سرعة ممكنة وتتمثل أولا بمنع عودة أي نازح سوري بعد دخوله إلى سوريا وخروجه منها ونزع صفة نازح عنه، وهذه السياسة معتمدة لدى كافة الدول الأوروبية، فهل يجوز تحريمها عن لبنان واعتمادها دوليا. أيضا يدعو إلى ترحيل كل من ثتبت عليه أحكام جرمية وأصحاب السوابق للحد من أزمة الإكتظاظ في السجون اللبنانية التي باتت تشكل قنبلة موقوتة بعد الإعلان عن وقف متعهدي الطعام إدخال كافة أنواع المأكولات إلى السجون اللبنانية. فإذا لم يبادر المعنيون لاتخاذ هذه الخطوات سلام على لبنان!.