النّصّ والمتوقّع

النّصّ والمتوقّع، يعاني النّصّ من أزمتي توقّع: أزمة توقّعات الكاتب، وأزمة توقّعات القارىء، إذًا فالنّصّ في كلّ الأحوال متّهم، تمرّ أزمة توقّع القارىء عرضيّة، وتُحدث أزمة توقّع الكاتب جروحًا بالغة، وفي أقلّ حالاتها؛ تترك ندوبًا.

عرفت كاتبًا قرّر معاقبة القرّاء بالتّوقّف عن الكتابة. أصدر كتابًا واحدًا، لم تأتِ توقّعاتُه على ما أراد، فصبّ غضبه على القرّاء.

هو لم يكن يعاقب القرّاء، كان يعاقب نصوصه بحبسها، أظنّه كان مصابًا بمتلازمة تنّشج الكتابة، أذكر أنّ كاتبًا متوقّعًا، ظلّ يخطّط في جلاسته معي لكِتاب على مدى أكثر من سنتين، عندما أطلعني على ما أنتج، حقد عليّ لأنّي صارحته بما خيّب ظنّه في ما كتب.

لم يكن الكاتب التّركي عزيز نيسين يتوقّع أنّ نصوصه ستتسبّب بسجنه، ولا توقّع سلمان رشدي أو محفوظ أن يطعنا بس نصّ.

ذات مرة أخذ صديق يقرأ علي نصًا شعريًّا، كنّا في القاعة ثلاثة فقط. وقف ثالثنا على مسافة أمتار عنّا، يراقب من النّافذة سقوط المطر، كان صديقي يقرأ وأنا صامت أصغي، حين سقط كتاب فوق الطّاولة حيث نجلس، تلاه سب وشتم. التفتنا إلى مصدر الصّوت، كان ثالثنا قد انفعل وفاض غضبه بسبب القصيدة.

اعتبر أنّ القصيدة تناولته بشكل شخصيّ، لم يكن صديقي الشّاعر يتوقّع أنّه سيشتم بسبب نصّه. كان نصًّا خيّب ظنّ القارىء والكاتب معًا.

كلّنا يتذكّر أنّه كتب أيّام المدرسة موضوع إنشاء، توقّع أنّه أكثر من ممتاز، غير أنّ الدّرجة أتت مخيّبة. وما لامس نصّه الإنشائي توقّع المعلّم وكم من قصيدة، اعتبرها شاعرها دون مستواه الشعريّ، غير أنّها فاجأت توقّعاته بين القرّاء.

فبين النّصّ والمتوقّع جغرافيا، تصلح مناخاتها لكلّ ما هو غير متوقّع قبلًا وبعدًا. ذلك لأن مناطق استحضار النّصّ أبعد من توقّعات الكاتب، والقارىء معًا، فالتوقّع نتاج عقل واع، يبنى على حسابات منطقية. غير أن الإبداع يسيل من تشقّقات مخفيّة جدّا، لم تكن بالحسبان.

زر الذهاب إلى الأعلى