الوزير تعمّد الغياب.. وبرّي لميقاتي: دبّروا حالكم
للمرّة الثانية يقابل نقاش بند الإنتخابات البلدية والإختيارية بهرج ومرج بين الحكومة ومجلس النواب. وفي المرّتين كانت المؤشّرات تعكس غياب النيّة الجدّية باتمام الإستحقاق في موعده، وأنّ خطوات الحكومة عبر وزير الداخلية بسام مولوي بدعوة الهيئات الناخبة جاءت بمثابة محاولة لرفع المسؤولية عن كاهله. ومثله فعل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حين استنجد بالمجلس النيابي، فكان الجواب عبر رئيسه: «تدبّر أمورك بنفسك».
لم يهضم النواب غياب وزير الداخلية عن اجتماع اللّجان المشتركة، وحضور المديرة العامة للشؤون السياسية في الوزارة فاتن يونس نيابة عنه، وفسّر على أنّه تهرّب للحكومة من الإجابة على الأسئلة التي سبق وطرحها النواب حول التحضيرات اللوجستية ومصادر التمويل.
بالنظام، ناقش النواب غياب وزيري المالية والداخلية عن الموضوع الأساس في جدول الأعمال، أي الإنتخابات البلدية، وخرجوا بعدها يتّهمون الحكومة بالكذب والتهرّب من مسؤولياتها.
ويأتي في وقائع ما قبل جلسة الأمس عصف اتصالات سياسية على خطّ السراي ـ عين التينة لم تنته بزيارة منتصف الليل التي قام بها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى عين التينة عاد من بعدها خالي الوفاض بعدما رفض بري تلقّف كرة اللهيب بصدر مجلس النواب.
في المقابل، رفض مولوي الحضور أمام النواب لأنّه لا يملك أجوبة على أسئلة النواب، وهو صارح ميقاتي بأنّه كان قد أرسل كتاباً منذ كانون الثاني الماضي حول تأمين المستلزمات للعملية الإنتخابية ولم يتسلّم الجواب بعد، كما لم يتسلّم ردّاً على مصادر التمويل. كذلك رفض مدير عام الداخلية الياس خوري الحضور نيابة عن الوزير للأسباب عينها، فارتأى مولوي تكليف يونس التي صارحت النواب بمسألتين أساسيتين، فقالت إنّها غير جاهزة لإجراء الإنتخابات لضيق الوقت ولأنهّا لا تملك ليرة واحدة من الأموال المطلوبة لتغطية تكاليف العملية الإنتخابية. «بقّت» يونس المحسوبة على برّي البحصة التي كان يتلافى ميقاتي مصارحة النواب بشأنها، ويمكن لكلامها إنطلاقاً من صفتها كممثّل للوزير المعني، أن يشكل دلالة على عجز الحكومة عن إجراء الإنتخابات.
التلكّؤ دفع نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب الى اتهام وزير الداخلية والحكومة بالكذب، مطالباً مولوي بالإعلان صراحة عمّا إذا كان يتعرّض لضغوطات معيّنة كي يتغيّب عن الحضور، وطالب ميقاتي بإلإجابة عن الأسئلة التي سبق وطلبوا الإجابة عليها حول التحضيرات للعملية الإنتخابية.
من دون لفّ ولا دوران، قارب بو صعب الواقع فخرج مصارحاً الرأي العام بالحديث عن استحالة حصول الإنتخابات لوجستياً لأسباب عدّة، وتحدّث عن غياب الترشيحات في الدائرة الأولى التي تستعدّ لخوض الإنتخابات في السابع من أيار أي الشمال ويشكو المحافظون من غياب التواصل معهم للتنسيق في ظل إقفال دوائر النفوس.
في رأي بو صعب أنّ وزير الداخلية كان يدرك استحالة إجراء الإنتخابات، ومع ذلك كان يطمئن النواب الى الإستعدادات بحجّة أنّ تقسيم المواعيد على أربعة أسابيع يخفّف عنه الحاجة الى أعداد كبيرة من الموظفين. لم يكن مصيباً في الوعود التي قطعها فصار عرضة للإتهام والمساءلة.
ما العمل اذاً؟ المفترض أن تخرج الحكومة لتعلن عجزها عن إجراء الإنتخابات ويحدّد المجلس النيابي جلسة عامة لإقرار التمديد للمجالس البلدية والإختيارية. منذ أيام يجري العمل على عقد الجلسة وتأمين نصابها الدستوري بالإتفاق السياسي. وبالإتصالات التي أجراها بو صعب ومن خلال الموفد الذي أرسله بري الى رئيس «التيار» جبران باسيل تمّ الإتفاق على حضور «التيار» جلسة لتحديد مصير الإنتخابات البلدية، لكن المعضلة أنّ رئيس المجلس يرغب في إضافة بنود إضافية على بند الإنتخابات البلدية، ما يحرج باسيل خاصة في ظلّ مقاطعة «القوات» والنواب التغييريين لمثل هذه الجلسة. أمّا الإشتراكي، فقد كان موقفه أقرب للنأي بالنفس عن الدخول في مهاترات كهذه، وفضّل البقاء على الحياد.
كان يمكن للحكومة أن توفر على نفسها عناء الإنتظار والدخول في الدهاليز السياسية، ومصارحة الناس والنواب بصعوبة إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية في ظلّ الإمكانيات الحالية، خاصة وأنّ وزارة المالية سبق وأبلغت المعنيين بصعوبة توفير المبالغ المطلوبة إلا من خلال SDR وبقرار من رئيس الحكومة، وتعلن بعدها الإلتزام بالمواعيد التي سبق وأعلنها وزير الداخلية، لكنّ ميقاتي يرفض صرف المبلغ من صندوق المساعدات هذا قبل العودة الى مجلس النواب علماً أنّه سبق وصرف مبالغ مماثلة من دون العودة الى مجلس الوزراء أو مجلس النواب وفق ما تؤكّد مصادر وزارية، لكن أصل الحكاية حسب المصادر عينها أنّ الحكومة ورئيسها تجنّبا الخروج على تمنّيات المجتمع الدولي ويريدان أن يأتي الإعلان من خلال مجلس النواب.
على فداحة النقاش اللامسؤول بين الحكومة ومجلس النواب، إلا أنّ مأساة البلديات ليست في عدم إجراء الإنتخابات بل في الوضع المزري لواقعها وفي السلطة المركزية التي ترفض القوى السياسية تغييرها وتصرّ على أن تستعمل الناس كزبائن إنتخابية في خدمتها بدل أن يكون هدف البلديات الأساس هو العمل الإنمائي.
منذ زمن بعيد تعطّل دور البلديات وشلّت يدها وصارت تتسوّل على أبواب الصندوق البلدي. أزمتها في مجالس بلديات تحوّل رؤساؤها أزلاماً في خدمة السياسيين ورهن إشارتهم بتاريخ يعود الى زمن الرئيس ميشال المر وغيره. يكفي للدلالة كيف أنّ مدينة بحجم مدينة بيروت العاصمة ضاع إنماؤها في زواريب بلديتها فتحوّلت مدينة أشباح ليلاً، وموقف للسيارات بدل أن تكون مدينة تضجّ بالحياة بفعل مشاريعها التنموية. أزمة البلديات في نظامها وقانونها الذي لم يسمح لها أن تكون تنموية فعلاً وأدخلها في زواريب التبعية السياسية، كما في تحويل الإنتخابات فيها محطّة لجسّ نبض الأحزاب وقوى الأمر الواقع السياسي لشعبيتهم. أربعون عاماً أمضاها لبنان بلا انتخابات بلدية ولا مخاتير وكان عملهم يتمّ بالوكالة، عادت الإنتخابات والواقع ذاته لم يتغير وبقيت البلديات وقود السياسيين في حروبهم السياسية في ما بينهم.