انفصام تام بين مشروع الشعب الفلسطيني ومشروع حماس

يجب النظر الى مجريات الأمور في غزّة من منظورَين مُختَلِفَين،الأول نظرة وأهداف الشعب الفلسطيني والثاني نظرة وأهداف حماس ومن ورائِها. الأحداث الأليمة في غزّة تجعل المُتابع في حالة تساؤل مشروعة لإختلاف الأولويات والأهداف.

من جهة الشعب الفلسطيني فهو صاحب الحق ومطالِب بالحل الدائم والشامل على أساس الدولتين. أُدخِلَ هذا الشعب في حربٍ لا ناقة له فيها ولا جمل. المدنيون في غزة أضحوا دروعًا بشرية، بين طموحات حماس وقسوة القصف الإسرائيلي المجرم. حماس التي تحكم القطاع منذ إنقلاب عام ٢٠٠٨ على حركة فتح، لم تؤمِّن الحد الأدنى من مستلزمات الصمود لسكان القطاع بالرغم من المساعدات المالية الضخمة التي كانت تحصل عليها شهريّاً. وصل عدد الضحايا الى ١٥٠٠٠ وأكثر من ٣٠٠٠٠ جريح في قطاع غزّة من المدنيين ومعظمهم من أطفال ونساء ودمار معظم القطاع من أبنية سكنيّة ومدارس ومستشفيات. صمود أهل القطاع هو من الله ومن عزمهم وتمسكهم بأرضهم وحب الحياة وهو ليس منّةً من أي طرف آخر. مع بداية هذه الحرب العبثية أصبح للشعب الفلسطيني هدف أوحد وهو وقفها وتثبيت وقف إطلاق النار وذلك في إطار حلّ الدولتين الذي يسمح لهم بالعيش بحريّة وسلام كباقي الشعوب. خلال الحرب وبعد الهدنة لم ينصُر شعب غزّة غير الدول العربية كمصر، الأردن، الكويت، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية بإرسال المساعدات الطبية والغذائية لضمان صمودهم وإستمرارهم في أرضهم.

أما في المقلب الآخر، أي حركة حماس، فهدفها المُعلن لهذه الحرب كان الإفراج عن ٦٠٠٠ سجين فلسطيني من السجون الإسرائيلية. الساعات الأولى بعد العملية والنجاح الكبير الذي لم تكن حتى هي تتوقعه، رفعت سقف الأهداف الى حد إزالت دولة إسرائيل وجاراها في ذلك إيران وأذرعها في المنطقة وبدأت الإحتفالات بالنصر القريب وتزامن ذلك مع إنتشار أخبار في الإعلام عن عدم إكتراث الرئيس الأمركي لأمر نتنياهو. ردة فعل الولايات المتحدة دعماً كاملاً لإسرائيل وإرسال قطع بحريّة للسواحل الإسرائيلية فَرمَل الإحتفالات بالنصر وجعل محور الممانعة بمأزق بمن فيهم حماس. تُرِكت حماس وحيدة بهجمات محدودة التأثير بمجرى الأحداث وتفوق عسكريّ إسرائيلي مع بعض النجاحات المحدودة بالزمان والمكان للحركة ودون تأثير كبير بمجريات الحرب. نتيجة ذلك شهدنا على أكبر حركة نزوح في التاريخ الفلسطيني منذ النكبة ودمار هائل في القطاع. أتى إتفاق الهدنة برعاية قطرية-أمركية لتبادل الأسرى لتخفيف النقمة الدولية على إسرائيل والنقمة الفلسطينية والعربية على حرب حماس التي أصبحت بدون هدف واضح. لتبدأ إحتفالات حماس وداعميها الإقليميين بالنصر الكبير بالرقص على أنقاض غزة وضحاياها الأبرياء. محور إيران ومحور الإسلام المتطرف يحتفل بالنصر والطرفين في الواجهة كلٌّ يحاول جذب المناصرين والداعمين إليه ولكن في الباطن وإذا عدنا بالتاريخ إيران هي صانعة وداعمة الإخوان السياسي المتطرف. توجيه ابو عبيدة المتحدث الإعلامي لكتائب القسّام الدعوة الى الأردنيين للتمرد على دولتهم لنصرة غزة ما هو إلا محاولة إخوانية لزعزعة الأمن في دولة عربية أخرى ومحاولةً لإنعاش الإسلام السياسي المتطرف بعد الإنتكاسات التي حلت به في السنين الماضية وإنكفاء دوره. وتوجيه الشكر لأذرع إيران في المنطقة هو عبارة عن ضريبة سياسية لإكسابها شعبياً وإعطائها ورقة سياسية إضافية لمفاوضاتها وفي نفس الوقت التغاضي عن شكر الدُّوَل العربية الداعمة الأكبر للشعب الفلسطيني وضمانة بقائهم في أرضهم من خلال المساعدات التي تقدمها فهدفه سياسيّ لزرع الشقاق بين الشعوب والأنظمة، دليلٌ على ذلك الهجوم الحاصل على الرئيس المصري لمطالبته بغزّة محايدة لضمان أمن الناس.

لم ينسَ الفلسطينيون ضحاياهم والدمار الذي لحق بممتلكاتهم وأصبح الهدف العيش بسلام وأمان وإعادة إعمار القطاع بمساعدة الدول العربية. أما هدف حماس من الحرب وضحايا غزّة إعادة الحياة للحركة الإسلامية الإخوانية في الدول العربية وإعطاء أوراق لتعزيز وضع إيران على طاولة المفاوضات. تصوير حماس على أنها المخلّص والمحرر هو قمّة التشويه للحقائق والإستغلال لعذاب الشعب الفلسطيني.

فلسطين هي السبيل والضحيّة، فهل يعود الإخوان السياسي الى المشهد في المنطقة من نافذة اللعب بمشاعر العرب عن طريق القضية الفلسطينية؟

Exit mobile version