يبقى الخلاف الذي اندلع بين رئيسي الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري، على خلفية إخلال الأول بالتوازن الطائفي في تعيين رؤساء غرف محاكم التمييز، تحت سيطرة «الحزب» الذي يتولى حالياً مهمة ضابط الإيقاع بين «حليفيه اللدودين» أسوة بمهمة مماثلة يتولاها بين زعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية وبين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي يستقوي بحاجة الحزب إلى حليف مسيحي يوفر له الغطاء السياسي لسلاحه في الداخل في ضوء تصاعد الحملات عليه من خصومه الذين أدرجوا سلاحه كبند أساسي في برامجهم الانتخابية.
فباسيل يستقوي في مواصلته لحملاته على الرئيس بري بعضلات «الحزب» وهو يحاول توظيفها في الشارع المسيحي لعله، كما يقول مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط»، يستعيد جمهوره في الشارع المسيحي بعد أن أخذ يتراجع ليتمكن من إعادة تعويم نفسه، برغم أنه يدرك أنه يسعى للتعويض عن خسارته لعدد من المقاعد النيابية بضمان فوز تياره السياسي بمقاعد رديفة في الدوائر الانتخابية ذات الثقل الشيعي فيها لثنائية «الحزب» وحركة «أمل».
كما أن باسيل يجيز لنفسه، كما يقول المصدر السياسي، ما لا يجيزه لغيره باعتماده على صوت الناخب الشيعي في دوائر بعلبك – الهرمل، زحلة، البقاع الغربي – راشيا، بيروت الثانية وصولاً إلى بعبدا – المتن الجنوبي لردم الهوة الانتخابية التي يمكن أن يتضرر منها بتمرد الحرس القديم في «التيار الوطني» على باسيل واستعداده لخوض المعركة الانتخابية على لوائح بعضها يتشكل من القوى الثورية والتغييرية.
ناهيك أن باسيل يحاول حشر «الحزب» في الزاوية بذريعة أنه الحليف المسيحي الوحيد له، وأن لا مصلحة للحزب بالتفريط بعلاقته به؛ لأن البديل سيكون حزب «القوات اللبنانية» الذي يخطط الحزب لمحاصرته باعتباره يشكل رأس حربة في تصديه لسلاحه في الداخل، مستقوياً في نفس الوقت بتناغم رئيس الجمهورية ميشال عون مع مواقفه التصعيدية؛ لأنه يؤمن له استمرارية إرثه السياسي فور انتهاء ولايته الرئاسية.
ويؤكد المصدر نفسه أن رد المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي النائب علي حسن خليل على رئيس الجمهورية، الذي اتهم الثنائي الشيعي بتعطيل جلسات مجلس الوزراء وبعرقلة التحقيق القضائي في انفجار مرفأ بيروت، يبقى تحت سقف احتفاظه بربط النزاع مع عون وفريقه السياسي لتقطيع الفترة الزمنية الفاصلة عن موعد الانتخابات النيابية في 15 مايو (أيار) المقبل، وبعد إنجاز هذا الاستحقاق لكل حادث حديث.
ويلفت إلى أن مبادرة عون لـ«التحرش» سياسيا برئيس المجلس لن تُصرف في تعويمه لوضعه السياسي في الشارع المسيحي، ويقول إن رد الرئيس بري بلسان النائب خليل لن يبدل من واقع الحال الذي كان وراء تحالف الثنائي الشيعي مع «التيار الوطني» في الدوائر الانتخابية التي يطغى فيها صوت الناخب الشيعي.
ويرى المصدر السياسي أن حركة «أمل» وافقت بشق النفس على تحالفها مع «التيار الوطني» مراعاة منها لرغبة حليفها «الحزب»، ويسأل: كيف يؤيد باسيل معظم ما قاله البطريرك الماروني بشارة الراعي في خطبته لمناسبة عيد الفصح، وهو من ضغط في الوقت نفسه لضم مرشحه إلى لائحة الثنائي الشيعي عن دائرة بعلبك – الهرمل ولم يعترض على برنامجها الانتخابي الذي يتناقض كلياً مع المواقف السيادية لبكركي.
ويتهم باسيل بالغوغائية وبازدواجية المعايير السياسية التي تسمح له من دون الآخرين بأن يجمع بين الأضداد تحت سقف واحد، من أجل الحصول على مقعد نيابي بأصوات الناخبين الشيعة كحاله في الدوائر الأخرى.
ويكشف أن الوجه الآخر لهجوم عون على بري من دون أن يسميه يتجاوز الشأن الانتخابي إلى رئاسة الجمهورية إدراكاً منه لموقف بري المسبق من ترشيح باسيل لرئاسة الجمهورية، وإن كان الأخير يحاول عبثاً استدراج رئيس المجلس للدخول في مقايضة تقوم على تجديد انتخابه رئيساً للبرلمان لولاية جديدة في مقابل تأييده لترشحه لرئاسة الجمهورية.
ويضيف المصدر نفسه أن باسيل وهو يخوض الانتخابات في عدد من الدوائر يراهن على الصوت الشيعي في الدوائر المحكومة بمنافسة انتخابية محصورة بالمرشحين المسيحيين، مع أنه أخفق في إقناع «أمل» بما لديها من فائض بتأييد مرشحه عن المقعد الماروني في البقاع الغربي – راشيا لأنها تصر على دعم نائب رئيس المجلس النيابي إيلي الفرزلي.
ويؤكد أن المنافسة في هذه الدائرة وإن كانت محصورة بين لائحة تحالف الوزير السابق حسن مراد مع مرشح «أمل» قبلان قبلان وآخرين، وبين لائحة تحالف النائب محمد القرعاوي مع زميله مرشح الحزب «التقدمي الاشتراكي» وائل أبو فاعور و«الجماعة الإسلامية» ومستقلين، إضافة إلى لوائح تضم مرشحين عن الحراك المدني، فإن للمنافسة طعما آخر يتمثل في المواجهة بين الفرزلي ومرشح «التيار الوطني».
ويجزم أن باسيل وإن كان يراهن على «الحزب» بتهريب أصوات شيعية للائحته في جزين، فإن رهانه ليس محسوماً حتى الساعة بسبب التزام الحزب بدعمه للائحة التي يرعاها بري، إلا إذا عدل موقفه في حال أن لديه قناعة بأن فوز النائب إبراهيم عازار العضو في كتلة «التنمية والتحرير» بات محسوماً، ويسأل ما إذا كان باسيل توصل إلى قناعة بأن قانون الانتخاب الحالي لم يعد يضمن إلى حد كبير انتخاب النواب المسيحيين بالصوت المسيحي لقطع الطريق على طغيان الصوت المسلم في ترجيحه لكفة العشرات من النواب من غير المسلمين؟
وعليه، فإن لبنان وإن كان يقف حالياً أمام مرحلة انتقالية استعداداً للانتقال إلى مرحلة ما بعد إنجاز الاستحقاق الانتخابي وعلى جدول أعمالها تشكيل حكومة جديدة يليها انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً لعون، فإن باسيل يذهب بعيداً في وضع «الحزب» أمام خيارين: إما الرضوخ لابتزازه للاستجابة لمطالبه أو البحث عن بديل مسيحي ليس في متناول اليد، ما دام أن القوى المسيحية الأخرى تتموضع على الضفة السياسية المناوئة للحزب وتصر على موقفها الرافض لسلاحه الذي يتعارض مع مبدأ سيادة الدولة على كامل أراضيها، كما يقول المصدر السياسي، لأن من دونها لا يمكن تحقيق الإصلاحات من جهة، وضبط الحدود اللبنانية لمنع التهريب من جهة ثانية.
فـ«الحزب» وإن كان يمتلك فائض قوة، فإن حليفه «التيار الوطني» لم يعد قادراً على مواجهة خصومه في الشارع المسيحي، وهو يدفع حالياً الثمن السياسي الذي يضطره لمطالبة حليفه بتعويض يبدأ من الانتخابات النيابية وينتهي بدعم ترشح باسيل للرئاسة، مع أنه يدرك سلفاً أن الأبواب المحلية أو الخارجية باتت مقفلة أمام تحقيق مبتغاه.