حراس المؤسسات، لا الأشخاص
لم تخرج الحملة المتوقعة للتيار العوني عن إطارها المعروف والمتوقع من التفاهة والسفاهة على الرغم من وضع أركان التيار معركة التمديد لقائد الجيش في رتبة الحياة أو الموت ولم يفلح قبل الإستحقاق كما بعده في إقناع اللبنانيين بمبدئية موقفه من المسألة بعدما استفاض رئيس التيار في حملته الشخصية الجارحة والحاقدة على قائد الجيش جوزف عون…
من جهة القوات اللبنانية، لا بد من التذكير ببعض المحطات التي تؤكد دورها الوطني في خياراتها الكبرى مع تلوينة مسيحية في مسألة التمديد لقائد الجيش كونه آخر منصب مسيحي في تركيبة السلطة الحالية مع تفاقم شغور منصب رئاسة الجمهورية وانتهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة…
كانت القوات أول من طرح مسألة التمديد للعماد جوزف عون الذي عيّنه العماد ميشال عون وهذه وحدها كانت كافية لانكفاء القوات عن المعركة لو كانت تتعاطى الكيد السياسي، ولكن القوات تتعاطى مع النتائج وقد أثبت قائد الجيش ترفعّه وتحرره من التدخلات السياسية والحزبية عن دور الجيش، إلى جانب استحقاقات أخرى لا داعي للتوسّع في تفاصيلها وهذه المسيرة أملت على القوات اللبنانية التمسك بقائد الجيش جوزف عون فقدّم تكتل “الجمهورية القوية”، قبل أن يكون هناك حديث محلياً أو دولياً بالمسألة، اقتراح قانون معجل مكرر لتأجيل تسريح قائد الجيش حرصاً على المؤسسة التي شهدت تغييراً جذرياً تحت قيادة العماد جوزف عون من دون التقليل بأهلية عمداء آخرين لتأدية المهمة، إنما في الظروف الحالية لم تشأ القوات إدخال لبنان في فترة تجريبية لا يحتملها الآن…
نواب المعارضة أثبتوا جدوى امتلاك الأكثرية وحيويتها وقدرتها في المفاصل الأساسية وما جرى في المجلس النيابي يدخل في صميم اللعبة السياسية التي تجري في جميع برلمانات العالم والتي لا يفهمها التيار العوني إلا بحسب مبدئيته القائمة على مصلحته الخاصة التدميرية فلو كان القائد جوزف عون “أميناً” لجبران باسيل لتبنّى الأخير موقف القوات وخاض المعركة نيابة عن الجميع ولكان الوزراء التابعين له شاركوا في جلسة حكومة تصريف الأعمال التي يعتبرها باسيل غير شرعية ومنحها الشرعية للتمديد للقائد “الأمين”…
مثال آخر على غلبة الشأن الوطني على المصلحة المسيحية البحت في قرارات القوات اللبنانية ويتعلّق المثال بحاكمية مصرف لبنان التي رفضت القوات البحث بها بسبب التهم التي يواجهها رياض سلامة وقد حرص حكيم القوات على الإشادة بنائب الحاكم وسيم منصوري الشيعي الذي تولى منصب الحاكمية، ورفض تعيين حاكم ماروني جديد لمصرف لبنان بغياب رئيس الجمهورية تماماً مثل رفض تعيين قائد جديد للجيش بغياب الرئيس على الرغم من أن المطروح إسمه للمنصب هو الوزير القواتي كميل أبو سليمان بسبب كفاءته ونظافة كفّه…
أما القول بأن القوات تخلّت عن موقفها من اعتبار المجلس النيابي هيئة ناخبة فهذا تشويه للحقيقة والقوات تعاطت مع المسألة كاستثناء للقاعدة انطلاقاً من أهمية المحافظة على الإستقرار الأمني في البلاد، ويقيني بأن القوات اللبنانية كانت على استعداد للذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك لو وجدت ضرورة لذلك.