وكأنما لا ينقص اللبنانيين سوى أصوات الرصاص، وتحديدًا في ضاحية بيروت الجنوبية، التي تعوّد ساكنوها على رشقات الاشتباكات اليومية، إلى جانب ما تُعانيه منطقتهم، كغيرها من مناطق لبنان، من عمليات سرقة وسطو وسلب.
“لم نكن نخشى في السابق على أبنائنا من الخروج ليلًا، أو العودة ليلًا من أعمالهم”، تقول يمنى التي تسكن في منطقة المريجة، مشيرة إلى أن “الحال اختلف اليوم بعد تكاثر السرقات، وتكرار حوادث الاشتباكات المسلحة في الأحياء وقرب المنازل، ما يجعل المارة على الطريق في خطر”.
وما تقوله يمنى ليس وليد خيالها، فالأسبوع الماضي تعرض أحد المواطنين إلى إصابة برصاص اشتباكات في بئر العبد.
ظواهر أمنية جديدة
شهدت الضاحية الجنوبية خلال أسبوع واحد، حسب مصادر أمنية، 4 ظواهر أمنية جديدة: الأولى هي السطو في وضح النهار، فسُجّلت عمليتا سطو مسلح في الأيام القليلة الماضية، إحداها وقعت في محل “omt” قرب شاورما بدر، عند الساعة الخامسة عصرًا، حيث أقدم شخصان يستقلان دراجة نارية على اقتحام المحل وسلب أحد الزبائن مبلغ 8 آلاف دولار، قبل أن يلوذوا بالفرار على متن دراجتهم.. وهم كانوا يراقبونه مسبقًا.
أما الثانية، فهي ما تعرض له محل فخر الدين لبيع الهواتف الذكية يوم الأربعاء 23 آذار، حين دخل شخص مسلح في وضح النهار وسلب حقيبة يد، وأطلق النار على صاحب المحل وأصابه في يده. والظاهرة تعني أن السارقين باتوا يملكون جرأة أكبر في تنفيذ عملياتهم، غير آبهين بأجهزة أمنية أو حزبية. وما يمنحهم هذه الجرأة هو أمر من اثنين: إما علمهم بأن الأمن غير ممسوك، وإما يأسهم من أحوالهم ومخاطرتهم بكل شيء.
الظاهرة الأمنية الثالثة، حسب المصادر الأمنية، هي ظاهرة سلب الدراجات النارية من أصحابها في الشارع بواسطة السلاح. أي أن السارقين لا ينتظرون توقف الدراجة في مكان معين لسرقتها، بل يسرقونها من راكبيها تحت تهديد السلاح.
والظاهرة الأمنية الرابعة هي ظاهرة الاشتباكات المسلحة المتكررة، والتي عادة ما تكون لأسباب اقتصادية. فكيف ذلك؟
جزر اقتصادية
تسوء الأوضاع الأمنية في الضاحية الجنوبية كلّما اشتدّت الأزمة الاقتصادية. ففي هذه البقعة الجغرافية التي يسكنها حوالى مليون مواطن لبناني، توجد جزر اقتصادية أساسية تشكل ما هو أكثر من مورد رزق، لعدد من المجموعات، منها من يتغطى بالانتماء العائلي، ومنها من يتلطّى خلف الانتماء الحزبي.
وبفعل قوى الأمر الواقع، العائلية والحزبية، قُسمّت الضاحية إلى مناطق نفوذ اقتصادي: قطاع المولدات والأنترنت واشتراك الستالايت بشكل أساسي، من دون أن ننسى قطاع تعبئة المياه، تسيطر عليها جماعات معينة، على نحو لا يجرؤ بائع ماء على دخول مناطق ليست ضمن نفوذه، لأنه يعلم أن عملًا كهذا قد يؤدي إلى إراقة الدماء. وطبعًا كل ذلك بعلم الأجهزة الأمنية والحزبية أيضًا، التي تحاول أن تعمل وفق حدود عدم الاصطدام مع العائلات والعشائر والجماعات التي تُعتبر جزءًا من نسيج هذه الأحزاب.
وحسب المصادر الأمنية، فإن سبب اندلاع الاشتباكات المسلحة، وتحديدًا ما حصل في بئر العبد في 17 آذار، هو المولدات. فالمشكلة كانت بين مجموعتين، تتبع كلّ منها اشتراك مولدات، وما يجري في كل مرة سببه التعدي على مناطق النفوذ. أما الاشتباكات التي وقعت الأربعاء الفائت، قبل منتصف الليل في الليلكي، فسببها الصراع على المولدات بين الموزّعين في المنطقة. وقبل شهر تقريبًا وقعت اشتباكات مسلحة بين موزعي انترنت في منطقة الشويفات.
وتشبه هذه الاشتباكات المسلحة إلى حد بعيد صراع العصابات في الولايات المتحدة الأميركية، حيث يكون الصراع على الحدود الاقتصادية. وما يجري في الضاحية سببه غياب الدولة عن تنظيم القطاعات الحيوية، كالكهرباء والإنترنت، والاكتظاظ السكاني الذي يجعل المنطقة “كنزًا اقتصاديًا” يجب حمايته بكل الوسائل.
الحواجز الصامتة
وتغيب الدولة إلا فيما ندر. فالجيش على سبيل المثال وإن تحرك بعد اشتباكات بئر العبد وداهم وأوقف، إلا أن الإجراءات لا تؤدي إلى نتائج على المدى الطويل. فالأمن استمرارية، والرابط بين الأمن والاقتصاد متين، وما تعانيه الأجهزة الأمنية اليوم صعب للغاية. فدورياتها شبه نادرة بسبب غلاء المحروقات، وغلاء قطع غيار السيارات، والأجهزة القضائية ملامة أيضًا، إذ يتم الإفراج عن الموقوفين بوقت قياسي بحجة اكتظاظ السجون. ما يقدم مثالاً سيئاً يشجع المجرمين ويحفزهم. فماذا عن دور الأحزاب في هذه المسألة؟
كما في كل مناسبة مماثلة، تطلب مصادر الثنائي الشيعي تواجد أكثر للدولة في الضاحية الجنوبية، وتطالب الأجهزة المعنية بتنظيم القطاعات الاقتصادية. فما يشهده قطاع المولدات في الضاحية يحصل في كل المناطق، حيث المنافسة ممنوعة في القطاع. وما يشهده قطاع الإنترنت من فوضى لا يقتصر على الضاحية، وبالتالي التنظيم هو المطلوب أولًا.
لا تُخفي الأحزاب في الضاحية دورها في العمل الأمني الذي يستهدف حمايتها من أعمال إرهابية، أو أمنية مشبوهة لعملاء الموساد. وهي تسعى في الوقت نفسه إلى فرض الاستقرار في مناطق نفوذها. فعلى سبيل المثال، تتدخل حركة أمل في الشياح لضبط أي إشكال يحصل، كما منذ فترة. ويحاول الحزب من خلال دورياته الليلية وحواجزه الصامتة، أن يحرص على الأمن ليلًا. لكن ليست مهمة الأحزاب ممارسة دور أجهزة الأمن. وبكل تأكيد، ليس دورها الدخول في صراعات مع العائلات والعشائر.
تؤكد المصادر الحزبية أنه في السابق كان يُقال إن الحزب لا يريد دخول الأجهزة الأمنية إلى الضاحية. وهذه الكذبة سقطت. فالمداهمات التي تجري بشكل أسبوعي خير دليل على ذلك. كذلك مداهمات الجيش اللبناني المسلحين المشاركين باشتباكات بئر العبد الأسبوع الماضي، رغم حديث البعض عن دور الحزب فيها. وتقول هذه المصادر: “للمرة الألف نحن نطالب الدولة بدخول الضاحية بزخم أكبر، إنما وضع الأجهزة الأمنية اليوم في كل لبنان هو نفسه”.
وتكشف المصادر الحزبية أنها تحاول لعب دورها كاملًا في حفظ الأمن متى استطاعت، مؤكدة أنها نزعت وتنزع الغطاء عن كل مرتكب يحاول التغطي بغطاء حزبي. فهي تعلم أن من هؤلاء مناصرين وربما منتمين، إنما ما يقومون به ليس بغطاء حزبي. وعند مخالفة القوانين فلا حماية لأحد مهما علا شأنه، مشددة على أنها جاهزة للتعاون مع الأجهزة الأمنية عند الحاجة، وهي تتعاون، من دون أن يعني ذلك القيام بعمل هذه الأجهزة.
وتساهم العتمة الحالكة ليلًا في زيادة حالات السرقة، ولمعرفة الحال التي وصلنا إليه على صعيد لبنان، تكشف مصادر لـ”المدن” أنه في الشهر الماضي، تم توقيف 4 عسكريين ببذاتهم العسكرية في منطقة الدكوانة ليلًا، يحاولون سرقة إطارات سيارة.