تنظّم روابط المعلمين في القطاع الرسمي اعتصاماً يوم الثلاثاء المقبل، بعد عطلة الأعياد، في محاولة للضغط على الحكومة لتحسين رواتب موظفي القطاع العام، حيث من المقرر عقد جلسة لمجلس الوزراء لإقرار مساعدات للموظفين لفك الإضراب. ويأمل وزير التربية عباس الحلبي من الحكومة شمل الأساتذة ببدلات الإنتاجية، التي قد تقر للقطاع العام، في محاولة لإنقاذ ما تبقى من العام الدراسي، في ظل إضراب غالبية أساتذة الثانوي وأساتذة التعليم المهني. فمحاولاته السابقة بتقديم بدلات إنتاجية خاصة للأساتذة، من خلال فصل ملفهم عن موظفي الإدارة، اصطدمت بعقبات أهمها ارتفاع سعر صرف الدولار وتراجع قيمة سلفة الخزينة، التي خصصت لوزارة التربية، ورفض عارم في صفوف الأساتذة لهذه الحلول بكل الأحوال. هذا فضلاً عن عقبات تقنية حالت دون تمكن وزارة التربية من دفع بدلات الإنتاجية بطريقة متواصلة ومنتظمة. فإلى الآن لم يتلق الأساتذة بدل إنتاجية شهر آذار المنصرم، ولا بدلات النقل.
الاتكال على ضمير المدير
مصادر مطلعة على التمويل أكدت لـ”المدن” أن الأساتذة سيتلقون بدل الإنتاجية قبل عيد الفطر، والمشكلة ليست في تمويل هذه الدفعة من بدل الإنتاجية بل في الأخطاء التي ترد في اللوائح التي يرسلها مدراء المدارس والثانويات والتي تتضمن بيانات الأساتذة. فالأخطاء، كما تؤكد المصادر، لا تعد ولا تحصى. وبات هناك شكوكاً بأن البعض يتقصد ارتكاب الأخطاء. فلا يمكن أن يسجل الأستاذ عينه كل مرة بطريقة مختلفة: مرة يكون الخطأ بالاسم ومرة بالعائلة ومرة أخرى برقم الهاتف، ما يدفع شركة تحويل الأموال إلى رفض الطلب.
وتضيف المصادر أن وزارة التربية عادت وعممت على المدراء التأكد من كيفية تسجيل بيانات الأساتذة لناحية الحضور. فالأخطاء هذه المرة لا تقتصر على البيانات بل تتعلق إيضاً بتسجيل غير المستحقين ببدلات الإنتاجية، أي الأساتذة المضربين عن التعليم، وتبين أن مدراء يقومون بتسجيل أسماء حتى المضربين منهم. فلا آلية مباشرة لوزارة التربية في مراقبة كل مدير مدرسة أو عامل مكننة في كيفية إدخال الدوام. وبالتالي الاعتماد هو على “ضمير” كل مدير بتسجيل المستحقين فقط وليس كل أساتذة المدرسة، أو المحظيين منهم.
ووفق المصادر، ثمة تدقيق غير مباشر تقوم به شركة تدقيق خاصة تأخذ عينة بنسبة عشرين بالمئة من مدارس لبنان البالغ عددها نحو 1250 مدرسة وثانوية. وهذه الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها لوزارة التربية والدول المانحة مراقبة كيفية دفع الأموال، لضمان عدم وصولها إلى غير المستحقين.
وقد فرضت الدول المانحة الاستعانة بشركة تدقيق مستقلة، بعد انشاء “الصندوق الائتماني للتربية”، الذي يمر عبره كل التمويل الدولي لضمان الشفافية والمساءلة وجودة التعليم. وقد انتزع هذا “الصندوق” الصلاحيات من مختلف وحدات وزارة التربية، ووضعها بلجنة خاصة يرأسها مدير عام التربية، بغية التقليل من التدخلات التي كانت تحصل سابقاً. وبالتالي ربما هناك تدخلات من “البعض” لمحاولة إفشال عمل هذا “الصندوق”.
عقبات حسم الرواتب
في الأثناء، تواصل وزارة التربية ضغوطها لعودة الأساتذة إلى التعليم، والتي قد تبدأ بمرحلة الاقتصاص من الأساتذة عبر حسم رواتبهم بعد عطلة الأعياد، كما يشاع بين الأساتذة. وعمت وسائل التواصل الخاصة بالأساتذة شائعات عن أخذ مديريات التعليم مشورة من التفتيش المركزي لبدء حسم أيام الغياب من رواتب الأساتذة المضربين عن التعليم. لكن مصادر “المدن” أكدت أن التفتيش التربوي لم يتلق أي استشارة بهذا الشأن. بل، بحسب القوانين المرعية الإجراء، والمتعلقة بمديريتي التعليم الثانوي والابتدائي، تستطيع مديرية التعليم اتخاذ التدابير اللازمة بحق الأستاذ، من دون العودة للتفتيش. فهي المسؤول المباشر عن الأساتذة. وبما أن التعليم الجزئي لا يعتبر دوام عمل يمكن المديرية حسم أيام الغياب من الأساتذة.
في المقابل تؤكد مصادر مطلعة أن حسم الرواتب يبحث بشكل جدي، والتريث لاتخاذ هكذا قرارات مرده إلى انتظار نهاية الشهر الحالي الذي يعتبر كوقت ضائع، لأن فيه الكثير من الأعياد والعطل الرسمية. هذا رغم أن العديد من الأساتذة مقتنعون بأن الأمور مجرد تهديد لإخافتهم. وما يعيق اتخاذ هكذا قرار أنه من المستحيل أن تقوم الوزارة بحسم رواتب أكثر من 4 الاف أستاذ مضرب عن التعليم.
لا رقابة على المديرين
من المتوقع عودة جزء كبير من الأساتذة بعد الأعياد في مطلع شهر أيار لتعليم الأيام المتبقية من الشهر الأخير من العام الدراسي. وعندما يتراجع عدد الأساتذة المضربين ويصبح بالعشرات، تتمكن الوزارة من بدء مرحلة حسم الرواتب. لكن يكون العام الدراسي قد انتهى بدون تعلم الطلاب وتأتي الامتحانات الرسمية مسهلة أكثر من السنوات السابقة ويضيع عام دراسي رابع على الطلاب.
وتعليقاً على هذا الأمر يقول النقابي حسن مظلوم، الناشط في “انتفاضة الكرامة”، أن الأساتذة يضربون عن التعليم لأن أجورهم غير عادلة. وقانون الموظفين ينص على أنه لا عمل من دون أجر عادل. وبالتالي لا يمكن حسم راتب أستاذ يمارس حقه بالإضراب لرد الظلم اللاحق به.
ويسأل مظلوم: هل إضراب الأساتذة الحالي غير قانوني لأن رابطتهم المنحلّة فكت الإضراب، واستباحة الثانويات من الأحزاب والممولين ودفع الأموال للمدراء عمل قانوني؟ هل توزيع الأموال على المدراء من متمولين من دون أي رقيب وحسيب، كما هو حاصل في العديد من المناطق، لا يهشم التعليم الرسمي ولا يؤدي إلى فوضى تربوية، ولا يخرق القوانين؟ وكيف تقبل وزارة التربية والتفتيش التربوي بجمع المدراء هبات ومساعدات لا يعرف أحد غيرهم كيف ينفقونها على بعض الأساتذة المحظيين؟ هل هذا عمل مؤسساتي في دولة المؤسسات والقانون، أم تحول التربية إلى مؤسسات تجارية يصبح الأساتذة فيها موظفين غير رسميين وتابعين للمتمولين والأحزاب والزعمات وأصحاب الطموحات السياسية؟ وهل تؤدي هذه الفوضى التربوية إلى عدالة التعليم بين طلاب المدارس الرسمية؟