“يتعثّر انتخاب رئيس للجمهورية لأنّ الخلاف يدور حول إنتمائه إما لفئة الممانعة وإما لفئة السيادة”… بالمختصر المفيد وبصريح العبارة وضع البطريرك الماروني بشارة الراعي الإصبع على جرح الشغور والسبب الرئيس وراء تعطيل انتخاب الرئيس. وعلى أرض هذه المعركة لا يألو “الثنائي الشيعي” جهداً لتحقيق ما يصبو إليه من إيصال مرشح أمين ومؤتمن على تدعيم جبهة الممانعة داخلياً وإقليمياً، وقد بدا ذلك واضحاً في إبداء رئيس مجلس النواب نبيه بري تمسكه و”الحزب” بترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية والتصميم على انتخابه مهما طال زمن الشغور.
وفي هذا السياق، يعمل “الثنائي” على إنضاج خطة رئاسية ترمي إلى “حرق” حظوظ قائد الجيش العماد جوزيف عون الداخلية والخارجية بحجة تعذر التعديل الدستوري لانتخابه، بالتوازي مع سعي “الحزب” إلى إبرام صفقة مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل تقوم بشكل أساس على “رشوته” بسلة تعهدات والتزامات تتصل بالحقائب الوزارية والتعيينات المسيحية في العهد المقبل ليتولى في المقابل تأمين الغطاء المسيحي الميثاقي لانعقاد جلسة انتخاب فرنجية بأكثرية النصف +1 .
إذ كشف مصدر واسع الاطلاع لـ”نداء الوطن” أنّ ما سبق وأعلنه نائب الأمين العام لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم عن تأجيل البتّ بالخلاف بين “الحزب” و”التيار الوطني” إلى ما بعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي، إنما جاء نتيجة “اتفاق ضمني بين الجانبين حول استمرار حاجة الطرفين لبعضهما البعض في المعركة الرئاسية، خصوصاً وأنهما يتقاطعان عند هدف قطع الطريق أمام وصول قائد الجيش إلى قصر بعبدا، وفي الوقت عينه لا يزال “الحزب” يراهن على”تليين موقف باسيل حيال انتخاب فرنجية بناءً على لائحة إغراءات رئاسية وسياسية وحكومية يلتزم بها مرشح “الثنائي” بضمانة “الحزب”… وهذا ما بدا جلياً بين سطور مواقف بري الأخيرة لناحية تأكيد استمرار الرهان على تغيير باسيل رأيه تجاه انتخاب فرنجية”.
في الغضون، ومع مرور الوقت واقتراب الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي من مضي سنة على توقيعه، من دون تحقيق تقدم حقيقي يذكر على صعيد تنفيذ الشروط المسبقة اللازمة لتوقيع الاتفاق النهائي، يتبدى أكثر فأكثر أنّ الأطراف الأساسية المعنية في منظومة الحكم والمصالح غير متحمسة لذلك الاتفاق. والجديد في هذا السياق ما كشفته المعلومات لـ”نداء الوطن” عن ركوب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة موجة “الحزب” الرافضة للاتفاق مع صندوق النقد، بل والذهاب بعيداً في محاولة تخويف “الحزب” من هذا الاتفاق عبر إيحاءات متعمّدة تلمّح إلى أنه قد يضرّ “في مكان ما” بمصالح “الحزب”.
وأكدت مصادر مطلعة لـ”نداء الوطن” أن “الحزب” نفسه “غير المقتنع أساساً بجدوى الاتفاق مع الصندوق، يسترق السمع لكل من لديه معلومات أو تحليل حول إمكان وجود شروط تمسّ الحزب بشكل أو بآخر، وما إذا كان هناك بعض القطب الغربية المخفية في ثوب الاتفاق مآلها تطويقه أو الإضرار به وكشف ظهره”. وأشارت المصادر المطلعة على هذه الهواجس إلى أنّ تنفيذ لبنان كل الشروط المسبقة وبدء تنفيذ الاتفاق النهائي يعنيان “الموافقة على ما يشبه الوصاية المالية من صندوق النقد على لبنان طيلة فترة التنفيذ، لا سيما على سبيل المثال أنّ فريقاً من الصندوق سيفحص دورياً (أكثر من مرة سنوياً) أرقام وزارة المالية وكيفية الإنفاق والجباية فيها، ما يشي بأن هذه الوزارة التي يسعى “الثنائي الشيعي” إلى احتكار حقيبتها ستصبح تحت المجهر الدولي وتحديداً الغربي”.
وعلى صعيد متصل، هناك أيضاً مسألة الحدود والتهريب التي ستشكل محور متابعة من جهة ضبط الإيرادات وزيادتها، وكذلك الأمر على صعيد التهرّب الجمركي وكيفية مكافحته لزيادة إيرادات الخزينة. وفي ذلك ما يثير هواجس “مافيات” تتحكم بالتهريب عبر الحدود البرية وعبر نقاط العبور الجوية والبحرية في المرفأ والمطار.
وأضافت المصادر: “لم يعد سراً عدم حماس حاكم المصرف المركزي للاتفاق مع صندوق النقد، لأنه يطبق “خطة ظل” منذ العام 2020 وهو مستمر فيها سواء وقّع لبنان اتفاقاً مع الصندوق أم لم يوقّع”. لكن سلامة، وفقاً للمصادر المتابعة عينها، ومن وراء الإيحاء لـ”الحزب” خلال اجتماع مع أحد نواب الحزب بأن لا مصلحة للبنان والحزب في هذا الاتفاق “إنما يهدف إلى توجيه ضربة قاضية إلى حظوظ توقيع الاتفاق النهائي مع الصندوق”.
ولكن لماذا يسعى سلامة إلى ذلك وهو المقبل بعد أشهر قليلة على الخروج من الحاكمية؟ تجيب المصادر بأنّ وراء الأمر “من هو أبعد من سلامة ليشمل بعض رعاته الأساسيين الراغبين في أن يسمع الحزب بأذنيه عدم جدوى الاتفاق لعلّه يشن هجوماً كاسحاً نيابةً عن كل الآخرين، فيدفن مسار تنفيذ الشروط المسبقة التي بات واضحاً أنها تمسّ مصالح سياسيين ومصرفيين من الصف الأول خصوصاً وأنهم يمسكون بخيوط اللعبة مع سلامة منذ تحالفت هذه الأطراف في 2020 لإجهاض التفاوض مع صندوق النقد”.
وتختم المصادر بالإشارة الى أنّ “بين شروط الصندوق ما قد يفتح بعض أبواب المساءلة والمحاسبة، مع تدقيق في بنية الودائع في ضوء كشف السرية المصرفية، وفي الشروط أيضاً اذا طبقت ما سيفضي إلى تغيير جذري في القطاع المصرفي، فضلاً عن إمكان البحث مجدداً في استعادة الأموال المنهوبة والمهرّبة إذا أراد لبنان فعلاً إنصاف صغار المودعين. كما أن بين الشروط الحد من استخدام أصول الدولة في إطفاء الخسائر التي تزيد يومياً وتبلغ حالياً أكثر من 75 مليار دولار… وهذا الشرط وحده كفيل بنسف الاتفاق من جذوره لأن استخدام أصول الدولة بات هدفاً لا تحيد عنه كل الأطياف السياسية الحاكمة بلا استثناء”.