دوائر الجنوب الثلاث: خسائر “الثنائي” الفادحة والتمرّد المسيحي
لم يمر على الجنوب حدث انتخابي، كمثل انتخابات العام 2022، طوال ثلاثين عاماً بالتمام والكمال.
الصورة انقلبت، والمشهد تبدل كثيراً، على صعيد النتائج المباشرة وغير المباشرة، القابلة لمزيد من “التفلت” المسيحيي والسني والدرزي، من قبضة رئيس مجلس النواب نبيه برّي، كمرجعية سياسية أولى، والحزب كقوة شيعية، يتواصل صعودها في بيئته.
“خطر وجودي”
بين مشهدية العام 1992، التي وضع فيها الرئيس برّي، في جيبه 23 نائباً في قانون المحافظات، وبين مشهدية نتائج انتخابات العام 2022، وفق قانون الصوت التفضيلي
فرق شاسع، أبعد من عدد النواب الحلفاء، الذين خسرهم مع حليفه الحزب، وقد بلغ سبعة نواب: خمسة منهم في صيدا-جزين، بوابة الجنوب، واثنان في حاصبيا-مرجعيون الخاصرة الجغرافية البرية للجنوب، من رئته في البقاع . ليستقر عدد الكتلة الجنوبية للثنائي، على 16 نائباً، من بينهم أربعة عشر نائباً شيعياً في الدائرتين الثانية والثالثة، ونائبان آخران (سني، في حاصبيا-مرجعيون، وكاثوليكي في الزهراني).
نجح الحزب، الذي زادت أصواته التفضيلية عن حركة أمل بشكل كبير جداً (نائب الحزب محمد رعد 40847، نائب حركة أمل هاني قبيسي 19832)، في الأسبوعين الأخيرين اللذين سبقا التوجه إلى صناديق الاقتراع، كما حركة أمل، في استنهاض الناخبين الشيعة، المترددين والمتمردين الذين “أقسموا” أنهم لن ينتخبوا جراء الأزمة الاقتصادية، وفقر حالهم وذهاب ودائعهم، فذهب غالبيتهم إلى صناديق الاقتراع “لأن الشيعة والمقاومة في خطر وجودي”. ولكن هذه الاندفاعة، لم تؤد إلى رفع نسبة التصويت عن معدل انتخابات العام 2018، فعدد كبير من المقترعين، الذين تحاشوا عدم غمس الحبر الأزرق، وضع الكثيرين منهم أوراقاً بيضاء أو تعمد الخطأ في الإدلاء بصوته.
الجدار الفولاذي
حصيلة نتائج انتخابات دائرة الجنوب الثالثة، التي كانت العين عليها، منذ تمكن قوى المعارضة من التوحد بشكل كبير في لائحة “معاً نحو التغيير” التي ضمت نسيجاً يسارياً في الغالب (الحزب الشيوعي، نبض، منظمة العمل الديمقراطي، الطليعة، وعامية 17 تشرين) شكلت تحولاً كبيراً في مسار الانتخابات البرلمانية، التي بدأت بعد انتهاء الحرب الأهلية العام 1992، وأكدت بالتالي ان توحيد قوى الاعتراض، في أي دائرة، قادر على تسجيل الخروق في الجدار الفولاذي، الذي حافظ على حصنه 30 عاماً. لذلك، لم يكن فوز المرشح الدكتور الياس جرادي، خريج معتقل الخيام وجامعة هارفارد في أميركا، عن المقعد الأرثوذكسي، والإطاحة بمرشح لائحة الثنائي الشيعي النائب اسعد حردان، وأيضا فوز المحامي فراس حمدان، أحد رموز 17 تشرين، على المصرفي مروان خير الدين، فوزاً عادياً، ساهم في تحقيقهما الصوت الدرزي، ومن خلفه الحزب التقدمي الاشتراكي، وصوت أبناء العرقوب ومسيحيي حزب الكتائب والمستقلين، وشيعة لائحة “معاً نحو التغيير”.
التمرد المسيحي
وتعتبر خسارة هذين المقعدين، لكل من الحزب وحركة أمل كبيرة جداً، تمتد إلى نسيج بيئة حاصبيا على وجه التحديد، خصوصاً بعد استفحال الصبغة المذهبية للتصويت، الذي ساد دوائر أخرى في الجنوب، لا سيما دائرة صور-الزهراني.
ففي هذه الدائرة، التي أدلى أكثر من 95 ألفاً بأصواتهم بنسبة قاربت 47 بالمئة، كان لافتاً جداً خروج المسيحيين على الطواعية، في منطقتي صور والزهراني، فأعطى مسيحيو الزهراني ومدينة صور لوائح المعارضة الثلاث، التي حصلت مجتمعة على 22700 صوت، وكادت تلامس الحاصل (23 الف صوت)، أي أكثر من سبعين بالمئة من الأصوات المسيحية. وحصد مرشح لائحة القرار الحر المدعوم من القوات اللبنانية، روبير كنعان، أكثر من أربعة آلاف ومئتي صوت، بينما حصل المرشح الكاثوليكي في لائحة أمل والحزب النائب ميشال موسى على اقل من 1400 صوت، فيما نال المرشح الكاثوليكي في لائحة معاً للتغيير هشام الحايك على حوالي 2800 صوت، كما نالت لائحة الدولة الحاضنة برئاسة رياض الأسعد على مئات الأصوات رغم عدم وجود مرشح مسيحي فيها.
صيدا – جزين
وفيما لوحظ أيضا، حصول المعارضة على نسب عالية في الأقلام السنية في صور ومنطقتها، كان واضحاً تراجع لوائح المعارضة وخصوصاً الحزب الشيوعي في الاقلام الشيعية .
أما في صيدا-جزين، التي لطالما كان فيها الصوت الشيعي حاسماً في الاستحقاقات الانتخابية النيابية، فقد كانت جلية خسارة حلفاء الثنائي الشيعي، وخصوصاً في جزين، التي اقتنصت فيها القوات اللبنانية، من فم التيار الوطني الحر، المقعدين الماروني والكاثوليكي، وأيضا اقتناص النائب أسامة سعد، الذي افترق عن الحزب للمرة الأولى في الانتخابات، المقعد الماروني الثاني، الذي كان يحتله مرشح الرئيس نبيه برّي النائب ابراهيم عازار، الذي خسر الانتخابات مع حليفه المرشح السنّي في صيدا نبيل الزعتري، مقابل حصول فريق النائب أسامة سعد على المقعدين السنيين في صيدا للمرة الأولى، وهما أسامة سعد وعبد الرحمن البزري.
علي مراد: رسالة الجنوب
ويؤكد المرشح في لائحة “معا نحو التغيير” الدكتور علي مراد الذي نال حوالى ثلاثة آلاف صوت تفضيلي لـ”المدن” ان هذه الانتخابات، أكدت مجموعة من النقاط، أولها رغبة الجنوب بالتغيير، مثل كل المناطق، وهذا ما أثبتته صناديق آلاقتراع. وثانيها وجود إمكانية لخوض معركة رابحة وتسجيل موقف في كل لبنان، وليس الجنوب فقط، إذا ما اجتمعت المعارضة وصاغت خطاباً موحداً تجتمع تحته.
وقال: “على هذه السلطة أن تتحمل مسؤولية كيف ركبت لائحتها، وعلى كل من يريد أن يفهم، عليه أن يفهم أن رسالة الجنوب في هذا الإطار”.