“كالنار في الهشيم” يحرق الدولار الأخضر واليابس في مساره التصاعدي، بعدما تخطَّى أمس الثلاثاء الـ88.000 ليرة. في حين، كل الآمال بوقف تفلُّته مع عودة المصارف إلى العمل، ووعود رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بحلول تضبط أداء بعض القضاء باتجاه المصارف، ذهبت أدراج الرياح.
وما كان يسري بين الناس حول تخوُّفها من دولار الـ100.000 ليرة “الهاجم عليها”، بات وراءها وموضع تندُّرها، إزاء الرعب الذي يجتاحها مع الأجواء السوداوية حول أرقام للدولار تتخطَّى الـ200.000 ليرة بكثير.
ولم يكن ينقص سوى أن يتوِّج وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء، جبال النكبات والمخاوف النازلة على رؤوس اللبنانيِّين “كالسيل من علِ”، بتأكيده أن “النظام المالي الماضي انتهى وتساقطت آخر حلقات الهيكل و(أكيد الدولار طالع ومتروك شو بنزلو)”، معلناً عن أن “اعتماد التسعير بالدولار في السوبرماركت يبدأ اليوم الأربعاء”.
مصادر مالية فاعلة، ترى، أن “عودة المصارف لفتح أبوابها مطلع الأسبوع الحالي، أرخى حالة إيجابية على السوق، لكنها للأسف لم تدم لأكثر من يوم واحد”، موضحةً أن “المجموعات المؤثِّرة على سعر صرف الدولار، صعوداً ونزولاً، تبيَّن فعلياً أنها أكبر حالياً من الجهات المختلفة التي يمكن أن تضبط سوق الصرف”.
وتؤكد المصادر ذاتها، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “هذه المجموعات تبدأ من جماعة الشنطة، إلى الصرافين، وتجار ومهرِّبي الدولار إلى خارج الحدود، وغيرها، المتوزعة في مناطق عدة. وفي مقابل هذه المجموعات التي تشدّ بالليرة نزولاً، هناك مجموعة لا تمتلك الإمكانيات الكافية، تحاول أن تواجه”.
وتلفت، إلى أن “المعركة مستمرة بين المجموعتين، لكنها غير متكافئة”، معتبرةً أنه “من أجل أن تصبح المعركة متكافئة، يجب أن تلتقي كل عناصر القوة لدى المنظومة الحاكمة، إن كانت جدّية، وتعمل بالتنسيق الكامل مع بعضها البعض، الأمر الذي لا يحصل حتى الآن”.
وتشدد، على أن “العمل المشترك يجب أن يتمّ بالتناغم والتنسيق بشكل إيجابيّ بين السلطة المسؤولة، ووزارة المال، ومصرف لبنان، وجمعية المصارف. بالإضافة إلى ضبط الصرافين غير المنتظمين، والتعامل بشكل واضح وعلنيّ وشفاف مع الصرافين الملتزمين، وفضح أي تجاوزات ومخالفات أياً كان وراءها”.
وتنوِّه المصادر عينها، إلى أن “عناصر عدة تجتمع لمحاربة الليرة، والطلب على الدولار في ازدياد مضطرد فيما وجوده نادر في البلد، بالتالي من الطبيعي أن يرتفع سعر الصرف. فالطلب يزداد، وقلّة الثقة بالليرة تدفع الناس للابتعاد عنها واقتناء الدولار وغيره من العملات الصعبة”.
وترى، أن “الوضع صعب، وغاية المُنى أن تتوصَّل هذه القوى المسؤولة إلى توحيد رؤيتها في ما خصَّ القرارات الإصلاحية المالية: من كابيتال كونترول، إلى إعادة هيكلة المصارف، ووضع حدٍّ لبعض الشطط في ما يتعلَّق بالشأن القضائي مع المصارف والتعاطي بشكل سليم، وغيرها”.
وتؤكد، أنه “يجب أن تتجمَّع كل هذه العناصر وتتعاضد مع بعضها البعض، كي تتمكن من المواجهة والخروج من هذا الوضع، وإلا فإن الدولار ذاهب إلى مستويات لا أحد يمكن أن يحدِّدها”، مشيرةً إلى أن “رقم الـ100 ألف ليرة للدولار على الأبواب ولم يعد يفاجئ أو يُحدث صدمة، بعدما تخطَّى أمس الـ88 ألف ليرة. وأكثر من ذلك، لمَ لا 200 ألف ليرة، وأكثر في المستقبل؟ من يمكنه أن يقول لا يمكن؟”.
وفي السياق ذاته، يؤكد الخبير الاقتصادي لويس حبيقة، في حديث لموقع “القوات”، أن “كل التوقعات حول انخفاض سعر الدولار كانت خاطئة من الأساس، لأن المشكلة في أن السيولة بالدولار في السوق ليست بالحجم المطلوب”.
ويضيف، “مصرف لبنان لا يمكنه السيطرة على سوق الصرف، لأنه من أجل ذلك عليه عرض الدولار الذي لا يملكه بالكمية اللازمة. فأفضل التوقعات تتحدث عن أنه يمتلك 10 مليار دولار، الأمر غير الأكيد صراحةً. لكن على افتراض أن البنك المركزي يمتلك 10 أو 8 مليار دولار، فيُفترض أن الأولوية لديه هي لتأمين السلع الأساسية الاستراتيجية، مثل المحروقات وأدوية السرطان وغسيل الكلى والقمح، وغيرها”.
ولا ينفي حبيقة، أن “البنك المركزي يشتري الدولار من السوق حين يكون منخفضاً، أسوة بغيره من الشركات والمؤسسات، لتعزيز احتياطه النقدي الضعيف، لأنه لا يمكنه أن يصل إلى وقت ويقول لم أعد أملك دولارات في الاحتياطي. لكن أساس المشكلة أنه لانحفاض الدولار يجب أن يتمّ عرضه في السوق بحجم الطلب عليه، فيما مصرف لبنان لا يمكنه ذلك، والناس تشتري الدولار ولا تبيعه إلا بالقطّارة لتلبية حاجاتها الحياتية لأن لا ثقة لديها بمجمل الوضع”.
ويرى، أنه “طالما الأوضاع في لبنان رمادية، بل مائلة إلى السواد بلا أفق، من الصعب تحسُّن وضعية الليرة ووقف انخفاضها. والدولار خارج السيطرة، ويمكن خلال أسبوع أن يصل إلى 100 ألف ليرة وأكثر. ولا شيء يوقف فلتان الدولار سوى تغيير مجمل هذا الوضع السيِّئ وإعطاء أمل باتجاه أفق إيجابيّ، فتتعامل الناس بطريقة مختلفة. في حين، نحن اليوم في وضع سيِّئ، والجميع يتوقَّع أننا ذاهبون باتجاه وضع أسوأ لأن لا وجود لأي مؤشِّر إيجابيّ”.