ضربتان قاسيتان تلقاهما المواطن اللبناني في الأيام القليلة الماضية، تتمثل الأولى في رفع مصرف لبنان سعر الدولار المعتمد في منصة صيرفة إلى 70 الف ليرة، والثانية تعود لقرار وزير المال اعتماد سعر 45 الف ليرة للدولار الجمركي بدلاً من 15 الف ليرة.
ومهما كان شكل وآلية تطبيق هذين القرارين، فإن مفاعيلهما ستقع في نهاية المطاف على عاتق المواطن اللبناني، إن من خلال فواتير الكهرباء والإتصالات أو من خلال الضرائب والرسوم التي تتراكم على المواد الإستهلاكية، وتطاله بشكل مباشر.
انهيار قيمة الرواتب
قبل الدخول في “انتفاخ” و”تضخم” الفواتير بفعل قراري حاكم مصرف لبنان ووزير المال، لا بد من الإشارة إلى تراجع قيمة الرواتب في لبنان بفعل انهيار قيمة العملة الوطنية وخسارتها أكثر من 98 في المئة من قيمتها السابقة (باحتساب سعر صرف وسطي للدولار 80 الف ليرة).
أما الرواتب فخسرت قيمتها بشكل دراماتيكي، بحيث باتت رواتب موظفي القطاع العام تتراوح اليوم بين 50 دولاراً و150 دولاراً فقط، ولا يقتصر انهيار قيمة الرواتب على العاملين في القطاع العام فحسب إنما أيضاً شريحة واسعة من موظفي القطاع الخاص لاسيما في القطاع التعليمي الذين لا تزيد قيمة رواتبهم عن 200 دولار شهرياً.
انهيار قيمة الرواتب والمداخيل يقلّص تلقائياً قدرة المواطنين على سداد فواتير الكهرباء والإتصالات التي ارتفعت بفعل رفع دولار منصة صيرفة، كما يعيق مساعي العائلات لتأمين معيشتها اليومية، بعد عجزها التام عن الحصول على خدمات الإستشفاء والطبابة والتعليم.
وليس قرار مصرف لبنان مضاعفة سعر دولار منصة صيرفة ورفعه إلى 70 الف ليرة سوى إشارة واضحة، وإن بشكل غير مُعلن، إلى أن دولار السوق السوداء دخل مرحلة جديدة عنوانها الإرتفاع المستمر واقترابه من كسر سقف الـ100 ليرة.
ضرائب ورسوم جديدة
تزامن قرار رفع دولار منصة صيرفة مع بدء مؤسسة كهرباء لبنان باستيفاء أولى فواتيرها على أساس التعرفة الجديدة المرتبطة بسعر دولار منصة صيرفة. وليس ذلك صدفة بل هو قرار متعمد يستهدف رفع قيمة ايرادات مؤسسة كهرباء لبنان، التي باعت المواطنين سمكاً في البحر. فوعدت برفع ساعات التغذية إلى 8 و10 ساعات مقابل رفع تعرفة الكهرباء ولم تفِ بوعودها.
ولأن تغذية كهرباء لبنان اقتصرت على ساعتين إلى 4 ساعات فقط، لم يتمكن المواطنون من الإستغناء عن مصدر الطاقة البديل وهو اشتراك المولدات الكهربائية، ما سيحتّم عليهم سداد فاتورتي كهرباء مدولرتين. الأمر الذي قد يدفع بالكثير من المواطنين إلى فصل عدادات الكهرباء عن منازلهم إلى حين ارتفاع عدد ساعات التغذية بشكل يتيح لهم تعليق اشتراكات المولدات الخاصة.
وعلى الرغم من تدني تكلفة الكيلواط/ساعة العائد لمؤسسة كهرباء لبنان بالمقارنة مع تكلفته المعتمد في المولدات الخاصة، غير أن فاتورة الكهرباء الرسمية “المدولرة” ستكون باهظة جداً وستبلغ وفق التوقعات ملايين الليرات رغم تضاؤل ساعات التغذية، والسبب أن رسوم اشتراك الكهرباء المحدّدة شهرياً بالدولار تفوق بقيمتها حجم الإنفاق الذي لا يتعدى 4 ساعات يومياً. كما سيتم سداد الفواتير على اساس سعر منصة صيرفة البالغ اليوم 70 الف ليرة ومرشّح للإرتفاع لاحقاً.
ولن تكون فواتير الإتصالات والإنترنت بأحسن حال من الكهرباء، فهي الاخرى مدولرة على اساس دولار منصة صيرفة الذي قفز إلى 70 الف ليرة. وعليه ارتفعت تكلفة فواتير الإتصالات وبطاقات الهواتف الخليوية مسبقة الدفع وغيرها بنحو الضعف، فالبطاقة التي كانت تبلغ تكلفتها 600 الف ليرة على سبيل المثال باتت اليوم في محيط مليون و100 الف ليرة.
التجار يحكمون السوق
أما قرار وزير المال رفع قيمة الدولار الجمركي من 15 الف ليرة إلى 45 الف ليرة وتزامنه مع قرار وزير الإقتصاد بدولرة اسعار السلع الإستهلاكية، فقد جعل من المستهلك اللبناني رهينة رحمة التجار المفقودة أصلاً. وإذ يصر التجار على التزامهم بمبدأ التسعير بالدولار “الفريش” للسلع مع الأخذ بالإعتبار قيمة الدولار الجمركي 45000 ليرة، يؤكد مصدر من وزارة الإقتصاد، متحفّظ على قرار الوزير، أن التجار يسعّرون منتجاتهم بالدولار “الفريش” كقيمة إجمالية بمعنى أن الرسوم والضرائب مشمولة بسعر السلعة على الدولار “الفريش”.
يضاف ذلك إلى مشاهدات العديد من المواطنين لكيفية تسعير المتاجر الكبرى للسلع بالدولار، وزيادة الاسعار بشكل يومي مع انخفاض سعر صرف الدولار في السوق السوداء. فالتجار يتذرّعون اليوم برفع الدولار الجمركي فيزيدون اسعار السلع بشكل اعتباطي، ما يفسّر الفوارق باسعار السلع بين متجر وآخر وبين منطقة وأخرى.
بالمحصّلة ارتفع سعر دولار منصة صيرفة والدولار الجمركي وارتفعت معهما كافة الفواتير والتكاليف المعيشية، كما تمت دولرة أسعار السلع والخدمات كافة في البلد في ظل تفلّت التسعير وخضوعه لمزاجية التجار فقط وسط غياب تام لأي جهود رقابية على الاسواق.
وليس حديث التجار عن استقرار اسعار السلع المعفاة من الدولار الجمركي (كالأرز والسكر والحبوب والزيت وغيرها) سوى هراء ونفاق، تثبته أسعار المنتجات المذكورة على رفوف المتاجر.