سوريا برا وايران ع الخط…

… ولما خرجوا عاد اللون الاخضر للبنان. ٢٦ نيسان ٢٠٠٥، وقفنا على مفارق الطرق نراقب افولهم المشرق على لبنان. نعم لما افلوا عادت الشمس هيك وزهزهت هالدني بريحة الزهر. وقفنا بعيون لا تصدق ما تراه لنشهد للزمن وللرب وللتاريخ ان نضالنا وثورتنا، ثورة ١٤ اذار المجيدة، اثمرت استقلالا، اثمرت كرامة، اثمرت ما تريدون ان تثمره، لكن للمرة الاولى شعرنا ان هناك ثمارا فعلية لنضال السنين، ان الشهدا ما ماتوا بعد، ان نضال المقاومين على مر السنين تلاقى اخيرا مع نظرة الشعب الموحدة الى ذاك اللبنان، والتقينا كلنا في ساحة الشهداء وصرخنا بوجه العالم “سوريا طلعي برا” وطلعت برا.

طلعت برا يا ربي اي سعادة بعد كانت تفوق تلك اللحظات غير الموصوفة. كنت عند نقطة ضهر البيدر حين شاهدت آخر قوافلهم تعبر في ارض لبنان، نزل الناس من السيارات يراقبون اللحظة التاريخية. ترجلنا جميعا لنصدق انهم راحلون، مذلولون مطرودون مطأطاي الؤوس وهم اساسا وفي عز احتلالهم لنا كانوا مطأطاي الرؤوس لاننا قاومناهم، شيعتهم عيوننا اللامعة بحريتها وكانت وجوههم سوداء كالحة، سوداء مثل ايامهم السود التي زرعوها في ارض لبنان دمارا ونهبا وسرقات واعتقالات وقتل وتعذيب وتنكيل بالاحرار والمقاومين. كانت وجوههم السودا علامة على انتصارنا الابيض المشرّف، كانت وجوههم السودا بيرق انتصار لكرامتنا. وقفنا ننتظر افولهم الاخير وقلوبنا ترتجف فرحا. شخصيا كنت اريد ان ارشقهم بحذائي، بكل الحجارة التي تملأ الطرقات، لكني تسمرت جمادا متفجرا في ارضي، كي لا تفوتني اي حركة من حركة الافول، سكرت باللحظة الى درجة اني لم استيقظ الا حين صرخ بي احد الشبان وكان يقف يراقب “الحمدلله يا ربي على هالنعمة مصدقين يا عالم انو حلوا عنا هالاخوات…”.

بدأنا نصفق جميعاً كالاطفال، تبادلنا التهاني والزغاريد في ما بيننا ولا احد منا يعرف الاخر الا اننا لبنانيون كانوا محتلين وتحرروا، عاد اللون الاخضر للسهل، عادت الالوان للزهور ولاشجار الكرز واللوز والدراق، عادت الشمس تغطس في عبّ البحيرة والماء تحولت مرآة السماء والجبال، يا الله شو انك حلوة يا بلادي، يا الله شو حلووو يا لبنان عندما يزهر ربيعك حرية ونرفع عنك نير الاحتلال والمحتلين البرابرة…

اربعون عاما من التنكيل المتواصل انتهوا بمشهد، لو افرغت الاقلام الحرة كل حبرها، لن تتمكن من توصيف اللحظة، ومرت السنين، وصارت الدولة التي احتلتنا ارضا سائبة محتلة منهكة بدواعشها وبنظامها المجرم والفاسد. مرت السنين وصارت سوريا ارضا محتلة بالغرباء، ايران وروسيا، سالت فيها الدماء اكثر بكثير مما أسالته سوريا من دماء في ارض لبنان بعدما قتلت ودمرت وارتكبت المجازر بطول لبنان وعرضه. هي لعبة القدر، لعبة الزمن، لعنة السماء حين تنصبّ على سفاح او نظام قاتل…

Exit mobile version