شوف وجك بخير خالتو.. مش هيك قال الحكيم؟!

اجلس الآن الى قلمي لأكتب عن ذكرى اعتقال سمير جعجع، صاروا عمر شاب أو صبية في سنين الجامعة.

تدخل كارين اليوم ربيعها الثامن والعشرين، تخرجت من كلية الطب لم تلتق جعجع يوما وتحب ذلك، هي ابنة اختي لكني لم اروِ لها يوما حكاية الحكيم، لكن كلما رأتني كارين تسألني “خالتو ليش انت هالقد قوات ليش بتحبي الحكيم هيك؟”، اضحك واسألها “هيدا شي منيح ولا لاء؟”

لم اعتمد يوماً مع كارين “غسل الدماغ” لاقنعها بـ”القوات اللبنانية” او لتحب جعجع، كنت أعرف ان الايام آتية وكارين ستجد طريقها بنفسها، وكنت اقنع نفسي بأن لا داعي لان تتورط الصبية بحب “القوات اللبنانية” لانها ستتورط بالهمّ باكراً، فلتعش حياتها من دون هذا الصخب ولينبض قلبها لغير حب لا يكون مدمراً!

طبعا أخطأت في تقديري لنضج الصبية، وأخطأت لاني لم أخبرها حكاية الاسير الذي هزّت حكايته تاريخ لبنان، وان كان التاريخ نفسه يرفض أحياناً أن يروي تلك الحكاية كي لا يدخل سجن الضمير. عندما افتتح دكتور جعجع الزنزانة المفترضة في معراب سألتني كارين “عن جد هيك عملوا بالحكيم؟” وماذا فعلوا بالحكيم يا كارين؟ سألتها، وضحكت الصبية “ولو خالتو عم تسأليني، بس بتعرفي لو كنت يومها كبيرة كنت قتّلتن كلن كلن.”!!!

كارين تعرف حكايته أكثر مني وتتابع تفاصيلها وتروي لي حتى بعضاً مما غاب عني، تقول كارين ان حكاية الاسير يرويها الطلاب كمن يقرأ بيت صلاة في تأملات ناسك او متعبّد للحرية. تقول كارين ان حكاية الاسير يتمنى رفاقها الطلاب ان يعيشوا تفاصيلها ليكونوا “ابطالا” مثل الحكيم، تروي لي كارين ان وجه الحكيم حين كان يروي حكايته وهو في المعتقل، صار وجه آلاف الطلاب الذين أسرهم في تفاصيل نضاله وحوّلهم من دون ان يعلم ربما، او لعله كان يعلم انه سيعلّم بأجيال كاملة لذلك قبل حريته تلك تحت سابع أسر، وانه سيحوّل من المعتقل اجيالاً كاملة الى ثوار لاجل الحرية ولاجل كرامة وطنهم…

تأكلني الدهشة وانا استمع الى الصبية تروي حكايتها الشخصية مع الأسير اياه، لم أكن اعرف ان كارين سبقتني الى هناك، سبقتني كارين الى الزنزانة وتمشت في أروقتها، وقرأت يوميات المعتقل الحر، اُسرت معه وتحررت به وانا لا أعلم، صارت كارين ورفاقها ابناء سمير جعجع بالحرية وانا عنها في غفلة، “اذا طلعت بنتيجة من هالأسر الطويل فهو اني قدرت حافظت على عقلية المقاومة وما استسلمت وحميت حريتي… وع القليلي رفضت منطق الاستسلام والعقلية الانهزامية وتركت تأثير على أجيال كاملة بهالاطار انو حرية الرأي هي أهم ما في الانسان”، تحفظ كارين هذه الكلمات للحكيم وانا لم افعل!! لم اجب، دخلت في الصمت كي لا أقطع حديث الكرامة على الصبية، كنت أسكر وامزمز الكلمات كمن يشرب من نبيذ فاخر طيب نادر الطعم والجودة، هذا نبيذ سمير جعجع وتلك واحدة من خوابيه، ما تركه في ضمير الناس في شغف الاجيال.

لا اقول ٢١ نيسان ١٩٩٤ ذكرى اعتقال سمير جعجع، اكتب بقلم الافتخار والتفوق، التفوق حين تكون انت منتصراً بالكرامة ولها في مقابل من جعلوا من الذل وظيفة لاجل الاحتلال وظنوا انهم تغلبوا على الكبار في عواصف الحب والكرامة، اكتب بقلم الكرامة وقلب الشغف ان ذكرى الاعتقال تلك كانت البداية، من احلى واشرف البدايات لمقاوم ومقاومين لحظة دخول الاسر تلك صاروا ايقونات الحرية وبدأوا حرفاً بعد حرف، سنة بعد عمر يخطون للوطن طريق البدايات، اشرف البدايات، هنا سمير جعجع، هنا الحرية، قلب كارين ورفاقها وأجيالها وشغف الحياة وريح الحرية فيهم، هم زنزانة سمير جعجع المشعّة من أضوائهم.

فعل فعلته الرجل، أسر الاحرار في زنزانته ليخرج هو وليرسم لنا طريقاً مغايراً عماً كان سائداً، أدخل سجانه الى العتمة وخرج هو ليكتب للمقاومة حكاية مشرّفة عن رجل رفض المساومة ليبقى وطنه قضيته، اين جعجع اليوم؟ اسألوا كارين ورفاق كارين وطلاب لبنان، اصعدوا الى الزنزانة المفترضة وتعرفوا الى الحكاية راقبوا معراب، انظروا الى صور القوات اللبنانية المرشوشة عزاً في تفاصيل المكان، فتعرفون من الاسير ومن الحر، من الذليل ومن هو البطل…

بشوف وجك بخير خالتو، قالت لي كارين “مش هيك قال الحكيم بس اخدو ع الحبس؟” اجل خالتو وذهبت الى قلمي اكتب حكاية الحكيم من وحي كارين…

Exit mobile version