طرابلس مرآة لبنان: الدولة تتداعى والانتخابات فقدت معناها
وصل لبنان إلى وضع يتعذر فيه علاج اهتراء الدولة وتحللها بالترقيع. فالبناء يتداعى إلى حضيض الحضيض. والأزمات وصلت إلى عمق الأساسات التي يقوم عليها البلد. وما يجري ليس صراعًا وتناقضات بين القوى السياسية وحسب. بل يتجاوز ذلك إلى تداعي أركان الدولة المركزية. ويتعذر البحث عن حلول جديدة تتضمن تغييرًا جذريًا. فالقوى السياسية المحلية المختلفة تنتظر معجزات إقليمية ودولية توفر لها وللبلاد مزيدًا من الأوكسيجين، في انتظار تسوية إقليمية وتسهيل معضلة النفط والغاز، علمًا أن ذلك لن يؤدي إلى حل المشكلة، ولا يتضمن حلًا مستدامًا.
طرابلس مرآة لبنان
ما جرى في طرابلس نتاج تفتيت ممنهج تتعرض له المدينة منذ سنوات. وطرابلس قد تكون مرآة للبنان كله. وتفتيتها مستمر منذ وصاية النظام السوري، واستكمل بعد الوصاية، سياسيًا وأمنيًا. ويمكن أن تتعرض طرابلس بعدُ إلى حوادث غير قابلة للتوقع أو للتنبؤ. وهذا في إطار استعمالها المزمن ساحة لتوجيه رسائل سياسية في الداخل وعابرة للحدود.
وفي الحادثة الطرابلسية الأخيرة، معروف أن الشخص الذي عمل على تهريب الناس في الزورق هو مهرِّب، وجرى توقيفه ثم أطلق سراحه. وهذا ينطبق على عمليات تهريب الشبان وإلحاقهم بتنظيم داعش.
ولبنان كله في حال سباق مع احتمال انفجار اجتماعي. وهنا لا يمكن الرهان على تسويات فوقية، سواء أتت من الداخل أو من الخارج. والمؤشرات تدل على انعدام أي مشاريع سياسية لمعالجة أزمات متراكمة ومستعصية. والطبقة الوسطى تتعرض إلى تدمير ممنهج وكامل وتشرف على الانقراض. والطبقات ما دون الوسطى تعيش على مساعدات تقدم على شكل رشى. وهذا يؤدي إلى تغير كبير في الهرم الاجتماعي اللبناني. والأرجح أن الانفجار الاجتماعي واقع بعد إقرار أي موازنة أو خطة مالية.
انتخابات بلا جدوى
المزيد من الفوضى أمر مرجح. والمسارات تبدو واضحة، سواء من خلال تفريغ الانتخابات من مضمونها ووقائعها، أو عدم توافر أي شرط فعلي من شروط انتخابات حقيقية. فالضغوط، وإطلاق النار، والرشاوى، وغيرها، تشير إلى غياب معايير الحدّ الأدنى للعملية الانتخابية. وإذا حصل حادث يشبه حادثة الزورق الطرابلسي، تصبح الإطاحة بالاستحقاق الانتخابي محتملة، وتحميل الناس وغضبهم مسؤولية إطاحته. وهذا بدلًا من تعطيلها كنتيجة مباشرة لما جرى في صور والبقاع الشمالي وغيرهما.
أما في حال حصلت الانتخابات وصدرت نتائجها، فلا توقعات بحصول أي تغيير. إنما سيستمر مسار الانحدار إلى الهاوية، فيما تحظى القوى السياسية باعتراف متجدد من الداخل والخارج. فتندفع لتثبيت أقدامها في السلطة واتخاذ إجراءات مالية واقتصادية قاسية، كانت تمتنع عن اتخاذها قبل الانتخابات.
لن يقبل المجتمع الدولي بتلك الإجراءات، لكنه سيمهل القوى السياسية ما لا يتجاوز مئة يوم. وعوامل الانفجار ستكون أقوى بعد انقضاء هذه المهلة، فينفجر الوضع بقوة عند الوصول إلى استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية.