طعمها مرّ: طبخة التشكيلات القضائية للإطاحة بملفات المرفأ والمصارف
تمّت الإطاحة بكل من القاضيتين جانيت حنا ورندة كفوري
طالعت السلطات السياسية والقضائية اللبنانيين اليوم بتعيين رؤساء أصيلين لمحاكم التمييز لإعادة النصاب إلى الهيئة لمحكمة التمييز. وزير العدل، هنري خوري، وقّع مرسوم التعيينات الذي سيحال إلى وزير المال ورئيسي الجمهورية والحكومة لتوقيعه. وينصّ القرار الصادر عن مجلس القضاء الأعلى على تعيين القضاة ناجي عيد، ماجد مزيحم، وسانيا نصر، وأيمن عويدات وحبيب رزق الله ومنيف بركات.
ماذا يعني القرار؟ أنّ الهيئة العامة لمحكمة التمييز بإمكانها متابعة عملها، وعلى جدول أعمالها ملفات كثيرة، أهمّها دعوى المخاصمة المقدّمة من الوزيرين المدّعى عليهما في ملف انفجار مرفأ بيروت، علي حسن خليل وغازي زعيتر، ضد القاضي ناجي عيد الناظر في طلب الردّ المقدّم من الوزيرين ضد المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.
تباشير التعيينات
تباشير التعيينات الجديدة يمكن استشرافها من بعض المؤشرات الأساسية. أولها أنه تمّت الإطاحة بكل من القاضيتين جانيت حنا ورندة كفوري من غرف محكمة التمييز، وفي ذلك دلالة واضحة على معاقبة قاضيتين تركتا بصمتين فعلّيتين في حماية المؤسسات القضائية والقاضي طارق البيطار، في سيل الدعاوى التي تمّ تقديمها ضده للإطاحة به وعرقلة التحقيق في جريمة 4 آب. مع العلم أنّ مراجع قضائية وقانونية أضافت في هذا السياق أنّ “القاضية كفوري احمّرت العين عليها في الأشهر الأخيرة بعد إصدار قرارها بكف يد النائب العام التمييزي القاضي غسان خوري عن ملف المرفأ في الدعوى المقدمة ضده من نقابة المحامين”.
سلطة وقضاء
في المقابل، تمّ الإبقاء على القاضي ناجي عيد، مع العلم أنّ الأخير ولو أنه لم يطح بالبيطار، إلا أنه كان لقرارات اتّخذها نتائج فعلية في تعطيل جلسات الاستجواب التي حدّدها المحقق العدلي. فلم يعمد كما كفوري أو حنا إلى إسقاط طلبات الردّ لعدم الاختصاص بشكل مباشر، بل قام بتبليغ البيطار بطلب الردّ، وكفّ يده وأخذ وقته لإسقاطها في وقت كانت مهل البيطار للاستجواب قد فاتت، وجلسات الاستجواب قد طارت. وفي الإطار نفسه، لم يتردّد عدد من المطلّعين على أروقة قصور العدل في الإشارة إلى كون عدد من القضاة المعّينين في القرار الأخير محسوبين سياسياً على العهد وعلى أحزاب السلطة السياسية. وهذه إشارة واضحة أخرى يمكن من خلالها فهم خوض السلطة السياسية لقرار إعادة إطلاق الهيئة العامة لمحكمة التمييز، “طبعاً من دون تعميم هذه القراءة على كل القضاة الذين تمّ تعيينهم”.
الطبخة السياسية
كل الأجواء التي كانت تحيط بملف انفجار مرفأ بيروت كانت تشير خلال الشهرين الماضيين إلى أنّ السلطة السياسية تسعى إلى تأجيل النظر في الملف، وتحويل الاهتمام عنه لحين انتهاء استحقاق الانتخابات النيابية. لكن قرار التعيين في غرف محكمة التمييز جاء اليوم ليعيد ويحرّك المياه الراكدة في ملف 4 آب. وهنا تتعدّد القراءات والسيناريوهات المقترحة حول وجود تزامن بين تحريك ملف المصارف وملف حاكم مصرف لبنان وشقيقه رجا سلامة، مع ملف انفجار المرفأ. والخلاصة تقول إنه ثمة طبخة سياسية تمّ إعدادها للانتهاء من كل هذه الملفات دفعة واحدة، بما يتناسب مع مصالح السلطة ومن فيها طبعاً. مكوّنات الطبخة واضحة، لكن معالمها بحاجة إلى أيام إضافية لتتوضّح. لكن طعمها، بالتأكيد سيكون مرّاً على اللبنانيين الذين يشاهدون التحقيق مجزرة المرفأ يضيع، ومحاسبة المصارف التي حجبت الودائع عنهم تهلك، والقصاص من كل ارتكابات هذه السلطة تذهب أدراج الرياح خصوصاً على باب الموسم الانتخابي.
قد تنصبّ الهيئة العامة لمحكمة التمييز بغضون أيام على إقرار مرسوم تعيين القضاة للبتّ في دعوى المخاصمة المقدمة ضد القاضي ناجي عيد. لكن في الوقت نفسه، تم يوم أمس واليوم، تقديم 3 طلبات لنقل الدعوى من المحقق العدلي القاضي طارق البيطار من قبل ثلاثة موقوفين في الملف، هم رئيس اللجنة المؤقتة لإدارة واستثمار مرفأ بيروت حسن قريطم، ورئيس مصلحة الأمن والسلامة في المرفأ محمد زياد العوف، إضافة إلى رئيس الميناء في المرفأ محمد المولى. هذه أيضاً من تباشير احتمال عودة التحقيق في ملف المرفأ، ومن شأنها توضيح المسار المستمرّ للإطاحة بالقاضي طارق البيطار.