عن “عصيان” باسيل بسبب التوقيت الصيفي!
تتصدّر اللغة الطائفيّة في هذه الأيام مجمل الأحداث في لبنان، ويبدع اللبنانيون في تحويل أيّ حدث، سواء أكان سياسياً، أم رياضيّاً، أم ثقافياً، إلى طائفيّ، ومصدر اشتباك مع الطوائف.
كدنا نصدّق أنه بعد الحراك الضخم في 17 تشرين 2019 أن هذه اللغة قد طويت إلى غير رجعة وتمّ دفنها، بعدما ساوى الانهيار بين الأغلبية الساحقة ولم يوفر أحداً، لكنّ المنظومة العميقة المؤلفة من زعماء الطوائف نجحت بالتكافل والتضامن بين بعضها في إعادة تسعير الخطاب الطائفي، الكفيل الوحيد بإبقائها على قيد الحياة.
عادت خطابات الفيدرالية والتقسيم إلى التداول بقوّة بعدما تخطّاها الزمن، وبعدما تخلّى عنها طارحوها أيام الحرب، خصوصاً المسيحيين، الذين بنوا خطهم السياسي، خصوصاً بعد التسعينيات على موضوع بناء الدولة الموحّدة والقادرة والقويّة، وهم أول من تبنّى ورفع شعار الـ10452، ولبنان أصغر من ان يقسّم وأكبر من أن يُبلع.
لكن الإشكالية الأساسية عند المسيحيين اليوم بالذات لا تتوقّف عند أفكار غوغائيّة فرديّة، تُطلق من هنا وهناك، أو عند مغرد من هنا وهناك، إنما بات الزعماء في الطائفة يتبنّونها، لا بل يستثمرون فيها لمكاسب سياسية آنية غير آبهين بخطورتها، وبما يمكن أن تؤدّي إليه على المدى الطويل.
يقود هذا الخطاب اليوم “التيار الوطني الحر”، في ظلّ خلافه على رئاسة الجمهورية مع “الحزب”، حيث صعّد “التيار” وأنصاره الخطاب الطائفيّ، ولجأ ناشطوه إلى خطاب سياسيّ مرتفع السقف طائفيّاً، ويقدّم اللغة التقسيميّة على أيّ لغة أخرى.
وتحت شعار “الشراكة الوطنية” يتحوّل خلاف على مباراة كرة قدم إلى هجوم يستهدف طائفة أو مذهباً بأكمله، ويهدّد طائفة كاملة ويجعلها مستهدفة، ولا يصحّ العيش معها.
كان مفهوماً الخلاف على قضيّة اجتماع الحكومة بغياب رئيس الجمهورية، أو الخلاف على عمل مجلس النواب بصورة طبيعية من دون انتخاب رئيس، لكن إدخال “شماعة” الشراكة على أيّ تفصيل في الحياة العامة يجعل الأمر بالغ الخطورة، ويضع البلاد على شفير حرب أهلية وطائفية جديدة.
بالأمس، خرج رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل معتبراً أنّ إرجاء العمل بالتوقيت الصيفي “قصة ما بتنقبل، ومعبّرة كتير بمعانيها”، مضيفاً أنّه “ما بيجوز السكوت عنها إلى حدّ التفكير بالطعن فيها أو بعصيانها”. وترافق ذلك مع حملة قادها ناشطون من “التيار الوطني الحر” على هذا القرار، معتبرين أن هناك مسّاً بالعادات، ومحاولة فرض ثقافة إسلامية. وذهب بعضهم إلى الحديث عن تبديل عطلة الأحد، ونقلها إلى يوم الجمعة، مع إمكانية اعتماد لبنان التقويم الهجريّ، إلى جانب غيرها من الشعارات غير المنطقيّة، لا بل تنمّ عن جهل وتعصّب خطير.
فهل اعتماد التوقيت الصيفي أو الشتوي يغيّر في حياة المسيحيين أو اللبنانيين، فتتحسّن أوضاعهم الاقتصادية، وتعود حياتهم طبيعية فور حلول ليلة آخر سبت من آذار، واختلاف التوقيت ساعة واحدة؟، وهل يستأهل تأخير التوقيت الصيفي نحو عشرين يوماً معركة وشدّ عصب، وخطابات طائفية وتقسيمية، فيما البلاد تحتاج إلى معارك من نوع آخر تعيد للّبنانيين ما سُرق منهم، وتُعيد لهم كرامتهم التي فقدوها في الطوابير وعلى أبواب المستشفيات والأفران والمحطات، وتعيد لبنان إلى كونه مستشفى الشرق الأوسط، وتعيد التلاميذ إلى صفوفهم بدل تركهم على الطرقات، ممّا يؤثر على جيل كامل، ويضرب مستقبل وطن.
ما الضرر بالضبط في تخفيف طول النهار على صائم؟ وأين الإشكالية في ذلك، على الرغم من أن ساعات الصيام لن تتأثر. وإذا أرادوا التحايل على الله كما قال النائب السابق ادي معلوف، فمن وكّله محامياً لله؟! مع العلم أن الرئيس ميشال عون عمد في رمضان 1989، حين كان رئيساً للحكومة، إلى إرجاء العمل بالتوقيت الصيفي من 1 إلى 10 أيار… فهل كان هذا الأمر مشروعاً حينها، وبات اليوم يستدعي كلّ هذا الخطاب الطائفي؟
وفي سياق الأمر، لا بدّ من الإشارة إلى أن تسريب فيديو اللقاء بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان استفزازياً، ويشير إلى الطريقة العشوائية التي تدار بها البلاد، وتدلّ على ضعف المسؤولية في اتّخاذ قرارات من دون دراسة خلفيّاتها وتأثيراتها على الشعب، إذ كان من الأجدى أن يُتّخذ قرار كهذا بهدوء، مع مراعاة آثاره كافة، خصوصاً بما يتعلق بحركة الطيران والقضايا التي تتعلّق بالتواصل مع شركات عالمية، أو تمارس نشاطها وفق التوقيت العالمي، أو تستخدم أجهزة الكومبيوتر والأنظمة والشبكات الإلكترونية والمواقع المرتبطة بالخارج والبرامج الإلكترونيّة والخوادم المتّصلة بالإنترنت التي تعتمد تلقائياً التوقيت الصيفي، وهي أمور يسهل حلّها، وليست معقّدة كما يُشاع، بالإضافة إلى شرح الهدف منه بكلّ هدوء.