“عيد” طرابلس: بعد فاجعة البحر وقبل الانتخابات

تبددت الآمال بمعرفة مصير المفقودين أو بانتشال جثث العالقين في القارب الغارق

تطوي طرابلس اليوم الأربعاء آخر أيام عيد الفطر، وقد أدخلها في هدنة ما بعد مأساة قارب الموت وما قبل الاستحقاق الانتخابي في 15 أيار المقبل.

مهرب مؤقت

ثلاثة أيام عاشتها طرابلس ومحيطها خارج سياق فاجعة البحر واضطرابات الانتخابات. إذ شهدت المدينة حركة واسعة في الأسواق والأحياء والمقاهي وعند شاطئ الميناء، وبدا العيد كمهرب مؤقت من كل الضغوط التي تعيشها المدينة، لكنه هروب هشّ لدرجة أن الجميع يترقب ما ستؤوله إليه عشرة أيام مقبلة، يصفها كثيرون بالحاسمة والمصيرية.

وإذا صادف العيد هذا العام في اليوم الأول من شهر أيار، فإن أول منغصاته هو توالي فواتير مولدات الكهرباء الخاصة، التي بلغت مستويات قياسية، من دون أن تدفع الناس إلى التعبير عن غضبهم بما يوازي حجم أزمة الطاقة والكهرباء، والتي أصبحت تكاليفها تتجاوز معدلات مداخيلهم. وفي عيد طرابلس، ظهر جليًا استغناء مئات الأسر في الأحياء والمناطق الشعبية عن اشتراكات المولدات الخاصة، إذ يصحون وينامون في منازلهم بلا كهرباء. بعضهم يكتفي ببطاريات صغيرة، وآخرون بالشمع، فيما ينتظر جميعهم ما يسموه بـ”كهرباء الدولة” لساعة أو ساعتين أو ثلاثة كحد أقصى، حتى يشغلوا براداتهم شبه الفارغة.

أما على مستوى آخر، فيدور القلق في طرابلس حول مسألتين: ماذا عن ضحايا “قارب الموت” المفقودين في البحر؟ وماذا عن الانتخابات؟

لا بحث عن المفقودين

ومثلما كان متوقعًا، بدأت تتبدد كل الآمال بإمكانية انتشال جثامين ما لا يقل عن 23 مفقودًا في عمق يبلغ نحو 400 متر بالبحر، وترجح التقديرات أن معظمهم ما زالوا داخل القارب في غرفته السفلية. وبعد نحو 11 يومًا على الفاجعة، باءت كل المحاولات الخجولة والمتواضعة بالفشل، ولم تتمكن فرق الانقاذ بالجيش وبعض الجهات الخارجية من العثور على أي أثر لهؤلاء المفقودين، إذ معظمهم من النساء والأطفال اللبنانيين، بينهم سوريون وفلسطينيون.

في هذا الوقت، يعيش ذوي الضحايا والمفقودين قلقًا كبيرًا، ويتعمق شعورهم بتخلي كل الجهات الرسمية والقيادات السياسية عنهم، وكأنهم يراهنون، كحال كل القضايا، على فقدان أملهم بالمطالبة والمساءلة.

ولعل ما حصل في طرابلس عقب صلاة العيد، كان دليلًا دامغًا على شعور الأهالي باستضعافهم والتخلي عنهم، واغلاق كل أبواب المساندة والدعم أمامهم. فحينها، اعترضت إحدى السيدات من ذوي المفقودين طريق القائم بمهام مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، ورشقته بالماء، وهي تصرخ “أولادنا مفقودين في البحر”.

هذا الحادث، لاقى موجة اعتراض واسعة منذ يوم أمس، تجاوزت بدورها موجات الاستنكار على غرق القارب، واعترض عليه نواب وقيادات في طرابلس دعمًا للشيخ إمام، من النواب سمير الجسر ومحمد كبارة وفيصل كرامي وآخرين إلى نقابة المحامين في طرابلس، رافضين ما وصفوه التوجه بالاهانة له ولمقامه الديني، كما وضعه البعض بإطار اثارة الفتنة في طرابلس.

واليوم الأربعاء، تستعد مجموعة من آل مرعب في طرابلس، والتي لديها نحو 7 مفقودين في البحر، للاعتصام والتحرك، للمطالبة بالإسراع في انتشال جثامين مفقوديهم.

انتخابات باردة

في هذا الوقت، ما زالت الأجواء الانتخابية في طرابلس فاترة، ومن المتوقع اعتبارًا من الخميس أن تعود الحيوية نسبيًا إليه، وسط ضياع كبير في اللوائح والمرشحين، إذ يواجه معظمهم مصاعب في مخاطبة الناس.

من جهة، يبدو تحالف فيصل كرامي-جهاد الصمد-تيار المردة-الأحباش، الأكثر ارتياحًا، لأن قاعدته الشعبية معروفة ولم يطرأ عليها أي تحولات جذرية، وهم يسعون إلى حصد أكبر عدد ممكن المقاعد، على المستوى السني وعلى مستوى المقعد الأورثوذكسي عبر مرشح المردة رفلي دياب.

ومن جهة أخرى، تواجه لوائح أشرف ريفي-القوات، ومصطفى علوش-سامي فتفت، وتيار العزم-كريم كبارة، تحديات كثيرة على مستوى جذب الناخبين والأصوات. إذ أن جميع هؤلاء يخضون معركة غير مباشرة على الأصوات السنية التي كانت تدور بفلك تيار المستقبل. إضافة إلى أنهم يترقبون بحذر طبيعة الدور “الخفي” وغير المباشر، الذي سيلعبه “المستقبل” بالانتخابات عبر مفاتيحه وماكيناته، ويدركون أنه سيبذل قصارى جهده لقطع الطريق على كل من يسعى إلى الحصول على أصوات من قاعدته كهدايا مجانية، وأنه يسعى لمعاقبة الجميع بشتى الطرق.

أما لوائح قوى المجتمع المدني في طرابلس، والتي تبلغ 8 لوائح من أصل 12 لائحة، فتعيش ضياعًا موصوفًا وصراعات فيما بينها على مستوى التحرك وجذب الناخبين، ويشكك كثيرون بقدرة أحدها على تسجيل خرق في أحد مقاعد دائرة الشمال الثانية.

زر الذهاب إلى الأعلى