لم يتغيّر الياس البيسري بعد أن أصبح مديراً عامّاً للأمن العام. العميد الذي توّج مسيرته العسكريّة بمنصبٍ مستحَقّ، في الظرف اللبنانيّ الحرج، بقي هو هو. لا “عرّض” كتفَيه، ولا “نفخ” صدره. بقي على تواضع الرجل الذي رحلت أمّه، منذ أشهرٍ قليلة، راضيةً عنه. هو عيد الأمهات الأوّل من دونها.
يستعدّ العميد البيسري لسلسلة تغييرات في الأمن العام، بدأ ببعضها بالفعل. هو يعرف أنّ مروره في هذا المنصب قد لا يكون طويل الأمد، ولكنّه مصمّم على ترك بصمة.
بدا البيسري مرتاحاً جدّاً لزيارة وزير الداخليّة والبلديات القاضي بسام مولوي الى مقرّ المديريّة أمس. وجد في كلامه مزيجاً من الدعم والمحبّة. علاقة الوزير والمدير يحكمها القانون، والبيسري متمسّك به، فلا يعتمد على دعم مرجعيّة أو حصن طائفة أو حضن زعيم، بقدر اعتماده على التعاون مع رئيسه المباشر لما فيه مصلحة الأمن العام والمواطنين.
ومنذ تولّي منصبه، أدرك أنّ البداية يجب أن تكون من الوقوف الى جانب العسكريّين. منحهم أربعة رواتب في شهر، وإن استخدموا “صيرفة” لتضاعفت قيمتها. وسيمنحهم رواتب إضافيّة بعد أيّام، وهكذا سيستمرّ، مدركاً أنّه يجب أن يقف الى جانب العسكري لكي يستطيع الأخير أن يقف الى جانب المواطن. ويؤكّد أنّ مدخول الأمن العام، وهو بالليرة اللبنانيّة، لن يُكدَّس في الخزنات ليصبح لاحقاً بلا قيمة، بل سيوزّع على العسكريّين.
نسأل عن جوازات السفر، هَمّ الناس في زمن القلق. يقول إنّ الجواز بات كحبّة المهدّئ يصرّ البعض على حيازته، ولو لم يكن بحاجةٍ إليه، لعلّه احتاج الى مغادرة سريعة لبلد المفاجأت والهزّات السياسيّة.
يتلقّى الأمن العام يوميّاً حوالى خمسة آلاف طلب جواز، والقدرة الاستيعابيّة هي ثلاثة آلاف فقط. والآلات المستخدمة تحتاج الى صيانة دوريّة والكلفة عالية إن حصل عطلٌ في إحداها. لذا، فهو يطمئن الناس على أنّ الجوازات ستبقى متوفّرة وما من داعٍ للإقبال الكثيف والانتظار في الطوابير.
يرسم العميد البيسري خطّاً واضحاً لعمله على رأس المديريّة. لا يرغب في تأدية دورٍ سياسيٍّ “فاقع”، ولكنّه يحرص كثيراً على تطوير الدور الخدماتي الذي يصبّ في مصلحة الناس. علماً أنّ مدير عام الأمن العام يتميّز بحياده الظاهر، بالمقارنة مع رؤساء أجهزة أمنيّة أخرى، ما يؤهّله للتحدّث مع الجميع، من قوى سياسيّة ودبلوماسيّة.
وهو لا يأتي ليهدم ما بُني، بل ليُكمل ضمن الهيكل نفسه، ولكن بأسلوبه وشخصيّته. وهو يحفظ لسلفه اللواء عباس ابراهيم ما أنجز على رأس المديريّة، من دون أن يمنعه ذلك من إجراء بعض التغييرات التي يجدها مناسبة في هذه المرحلة.
تغادر مكتب مدير عام الأمن العام بأكثر من انطباع. الرجل الذي واجه الموت ذات تمّوز، ثمّ عاد الى الحياة، يحفظ الكثير من القيم ولو كان على رأس مؤسسة أمنيّة. يتحدّث عن التسامح والمحبّة. من يعرفه عن قرب يدرك أنّه يعيش ما يقول.