اللّغة العربية هي منفاي الاختياري، أنا ما طردت إليها من قِبل محتلّ أو حاكم غاصب، فررت إليها حين اكتشفت أنّ إقامتي فيها تشبه إقامة كوز التّين على غصن تينته الرّيفيّة، أقمت فيها بكلّي، وقد حملت إليها كلّ أمتعة الشّوق والحنين والوجدان.
هاجرت إليها حين تبدّى لي أنّ الأوطان لا تعدل كلمة، وأنّ الأحبّة فيها أجمل منهم فيهم، هي أبعد من لغة، وأعصى من كيان، أنا لا أقيم فيها لأنّي بلا مأوى، بل أقيم فيها لأنّها كلّ المآوي والوطن.
هي سلّمي الّذي أصعده لأطلّ على أسطح الدّنيا.
هي مكنستي الّتي أعزّل بها ما تراكم في زواياي الجوانيّة من غبار الأحزان، وطحالب الدّمع الّتي تنبت على جدران الوداع الجاف.
اللّغة العربيّة ليست نبع ماء أملأ منه دلائي، لأروي نباتاتي الّتي غرستها صروف الوقت في حقولي النّائية.
إنها سماواتي، وغيومي، ورعودي، وبروقي، ورياحي وأمطاري. إنها مواسم السفر والإقامة.
في يومها أقبّل أبجديتها حرفًا حرفًا، وحركة حركة، وأصلّي لقواعدها، وأشكر لبلاغتها، واتّساعها.
في يومها أنا ممتنّ لها على كلّ جملة، فقرة، نصّ، كتاب، قدمتني به إلى الإنسانية، النّاس، القراء.
أحبّك لغة لا تشبعني.