كسروان-جبيل: مرشّحو باسيل يلتهمون أنفسهم لإنجاح ندى البستاني
لطالما شهدت دائرتا كسروان وجبيل معارك انتخابية ساخنة، أو تحديداً هي الأكثر شراسة في لبنان كله. حتى قبل توحيد الدائرتين في واحدة العام 2018، كانت نسب الاقتراع في كسروان وجبيل الأعلى في لبنان. ووصلت سابقاً إلى حدود السبعين بالمئة، لتعود وتنخفض إلى حدود 65 بالمئة (على مستوى الدائرتين) في انتخابات العام 2018. وربما مرد الأمر إلى أن سكان المنطقتين ليسوا منتشرين في لبنان، مثلما هي حال سائر الدوائر. لكن شراسة المعركة بين زعماء وأحزاب المنطقة، والمال الانتخابي الذي يُغدق عليها، أساسي في رفع نسب المشاركة إلى تلك الحدود القصوى، عن سائر الدوائر.
صراع على مقعدين
وحالياً لا يختلف المشهد الانتخابي عن السابق، وإغداق “المساعدات” على أشده في دائرة الرشى الانتخابية. ومن المتوقع أن تشهد المعركة حماوة غير مسبوقة في الأيام المقبلة الفاصلة عن موعد الاقتراع في 15 أيار المقبل. فالقوى المتصارعة تتعامل مع هذه الانتخابات على أنها معركة حياة أو موت. هذا رغم أن المعركة شبه محسومة في نحو ستة مقاعد من أصل ثمانية مخصصة للدائرة. فالتيار الوطني الحر المتحالف مع الحزب في لائحة “كنا ورح نبقى” يصارع للحصول على ثلاثة مقاعد، ومثله يفعل النائب نعمة افرام المتحالف بلائحة “صرخة وطن” مع الكتائب اللبنانية والكتلة الوطنية ومستقلين. وكذلك تجهد القوات اللبنانية بلائحتها “معكم فينا للآخر” للاحتفاظ بمقعديها، كما يفعل النائب فريد الخازن بلائحته “قلب لبنان المستقل”، التي تضم مرشحين عونيين وكتائبيين سابقين ومرشح حركة سوا للبنان. هذا في وقت عدد مقاعد الدائرة غير كافٍ لتلبية طموحات هذه القوى المتصارعة.
أكبر الخاسرين
الربح أو الخسارة عند اللوائح الحزبية تحديداً تتعلق بنسبة المشاركة، التي في حال ارتفعت، أو بقيت على حالها، تكون نتيجتها حاصل انتخابي مرتفع (أكثر من 14 ألف صوت)، في وقت تراجعت شعبية الأحزاب. لكن ما بات واضحاً أن التيار الوطني الحر أكبر الخاسرين ومهدد بالحفاظ على مقعد وحيد. فالتيار العوني يعوّل على عدم تراجع شعبيته، متناسياً أن العونيين غير متحمسين لمرشحته في كسروان وزيرة الطاقة ندى البستاني، هذا قبل الحديث عن عدم حماسة عونية لهذه الانتخابات. وقبل الحديث عن أن ترشيح التيار وزير للطاقة (مثل رئيسه)، بمعزل عن اسمه، في ظل العتمة الشاملة، ليس قراراً صائباً شعبياً، ويستحيل إقناع الناخب بمقولات “ما خلونا”.
لذا فإن تعويل التيار على شعبيته السابقة قد يكون مقتله ليس في كسروان بل في جبيل، التي تشهد استنهاضاً لشخصيات محلية أكثر من الدورات السابقة. وفي حال عدم احتفاظ “التيار” بأصواته السابقة (وفق حساباته، أكثر من 15 ألف صوت في كسروان ونحو 14 ألف صوت في جبيل)، سيكون فوز مرشح الحزب على حساب المرشحين العونيين، أي لصالح سقوط إما البستاني أو أحد النائبين سيمون أبي رميا ووليد الخوري. فالتقديرات الحالية هي عدم تخطي أصوات اللائحة ثلاثين ألف صوت، بما فيها الأصوات الشيعية، أي حاصلان انتخابيان.
استراتيجيتان متناقضتان
في ظل ظروف المعركة الحالية قامت استراتيجية التيار على استقطاب الخوري في جبيل لرفد اللائحة بأصوات غير عونية، لكن الهدف هو توزيع الأصوات التفضيلية على المرشحين في جبيل لخفض نسبة الصوت التفضيلي لهما، لصالح حلول مرشحته البستاني في كسروان في صدارة قائمة توزيع المقاعد على اللوائح الفائزة. وفي حال لم يفز التيار بمعركة الكسر الأعلى بالأصوات، أي نيل اللائحة ثلاثة مقاعد، يضحي بمرشحيه في جبيل، لأن المقعدين يذهبان لرائد برو وندى البستاني.
أما في كسروان فقامت استراتيجية “التيار” على ترشيحات لمحاولة خرق لوائح افرام والخازن واستقطاب أصوات من أمامهما. لكن مقتله أنها استراتيجية تعاكس تلك القائمة في جبيل. فمرشحي اللائحة في كسروان “تياريين” أو مناصرين له، من المناطق الجردية وصولاً إلى الساحل. وصحيح أن مرشحه ربيع زغيب في حراجل هدفه الأكل من صحن الخازن، ومرشحه وسيم سلامة من كفردبيان للأكل من صحن افرام، ومرشحه عماد عازار في الفتوح لعدم تفلت أصوات عونية لصالح النائب شامل روكز والقيادي العوني السابق توفيق سلوم (على لائحة الخازن)، إلا أن مرشحي التيار يحرمون البستاني من أصوات تفضيلية، ما يؤدي إلى تخفيض نسبة الصوت التفضيلي لها. فالأصوات القليلة التي قد يكسبها بعض المرشحين من الخازن أو افرام، ليست ذا شأن، أمام معضلة ذهاب العونيون للتصويت لهم وليس للبستاني، وخسارتها أصواتاً تفضيلية. لذا فأن ما خطط له التيار في جبيل تم ضربه في كسروان، بسبب أن جميع المرشحين “تياريين”، وليسوا حلفاء يرفدون اللائحة أصواتاً إضافية، كما هو الحال في جبيل.
معضلة الصوت التفضيلي
ومعضلة “التيار” في نسبة الصوت التفضيلي، الذي ابتدعه رئيس التيار جبران باسيل في القانون الحالي، تسري على رؤساء باقي اللوائح في كسروان بخوفهم من مرشحي اللائحة عينها في جبيل. فتقنياً يوجد فرق بنسبة الصوت التفضيلي للمرشحين بين جبيل وكسروان، لصالح تصدّر الأولى قائمة الفائزين. وعلى سبيل المثال، مقابل كل ألف صوت في جبيل يحتاج المرشح إلى 500 صوت إضافي في كسروان للحصول على النسبة عينها. وبما أن جميع اللوائح إما يترأسها زعيم كسرواني أو مرشحها الأساسي كسرواني، فمن مصلحة جميع القوى منح أصوات تفضيلية للمرشحين في جبيل، لرفع العدد الإجمالي للأصوات التفضيلية، والتي يستفاد منها تخفيض نسبة الصوت التفضيلي لمحاولة موازنتها مع كسروان. والعكس صحيح: عدم منح أصوات تفضيلية في كسروان، والتصويت للائحة فقط، لخفض العدد الإجمالي للأصوات التفضيلية، التي يستفاد منها في رفع نسبة الصوت التفضيلي للمرشحين.
الرهان على حبيش
عليه، ما استفاد منه باسيل في العام 2018 من نسبة الصوت التفضيلي لتحديد الفائزين بات مقتل تياره في كسروان اليوم، بعد انفكاك الحلفاء عنه. وها هو يعيش الصراع بين مرشحيه في جبيل على الصوت التفضيلي وصراعهم مع كسروان لسبب عينه.
المعركة في الدائرة تدور عملياً على مقعدين. وهي رهن إغداق الخدمات والمال الانتخابي. فمن أصل ثمانية مقاعد بات محسوماً مقعدان للقوات اللبنانية ومثلهما للتيار العوني-الحزب ومقعد لافرام ومثله للخازن. لكن المعطى الذي قد يستجد إمكانية دعم رئيس بلدية جونية جوان حبيش لائحة منصور البون وفارس سعيد، ما قد يؤهلها للفوز بمقعد. وهذا ما لم يضعه المتصارعون بالحسبان. فالجميع يراهنون على أصوات حبيش.. هائمون بعدّها.