لا دولارات قبل الإصلاحات!
فرضت عودة بعض سفراء الخليج الى بيروت اعادة تقويم للجديد في الموقف الخليجي من الوضع في لبنان. وان أسقط السفير السعودي وليد بخاري صفة ” القطيعة الديبلوماسية” عما شهدته العلاقات بين بعض عواصم الخليج وبيروت، فإن ذلك لا ينتهي الا بعودة السفراء اللبنانيين الى العواصم التي ابعدوا عنها. والى هذه المعطيات ثمة من يرى ان لكل ممن عاد منهم حتى اليوم أجندته الخاصة.
على هذه الخلفيات، التقت مصادر ديبلوماسية عربية ولبنانية عبر “الجمهورية” على التأكيد على هذه المعادلة وشرحت ظروف العودة في توقيتها ومضمونها. ولفتت الى أنه وقبل الدخول في الظروف التي تحكمت يما جرى هناك الكثير من الاسئلة التي لم تتوفر عليها الاجوبة الشافية والكافية بالنظر الى ما كان معلنا من أسباب. ومنها:
– لم يقتنع اي من المعنيين بهذه الأزمة بعد بأن تصريحات وزير الاعلام المستقيل جورج قرداحي قبل فترة طويلة قبل تعيينه في الحكومة الجديدة في العاشر من أيلول العام الماضي كانت سببا في ما حصل عند استدعاء السفراء في الأسبوع الاخير من تشرين الثاني الماضي وطرد السفراء اللبنانيين من سفاراتهم وان هناك ما وراء القرار أكثر بكثير من اسباب وجيهة حتمت هذه الإجراءات قبل ان تتطور الى مقاطعة المنتجات الصناعية اللبنانية الزراعية وغيرها .
– كما ان العودة لم تكن مقنعة بالتعهدات التي قدمتها الحكومة اللبنانية التي استند إليها قرار العودة – تعليقا على البيان الرسمي الذي اصدره الرئيس نجيب ميقاتي – لم تكتمل بعد وانه وبغض النظر عن سلامة النوايا الحكومية فإن معظم الانجازات بقيت محصورة بالكشف وتعطيل مجموعة من عمليات التهريب للمخدرات التي كانت تستهدف دول الخليج والتي استغلت شحنات من الليمون والشوكولا والشاي والرمان المخدر وان الاسباب الاساسية المتصلة بتوجهات “الحزب” وخروجه في تصرفاته عن ترجمة الموقف اللبناني الرسمي لم تتوقف عن توجيه الانتقادات العنيفة الى انظمة الخليج العربي كما بالنسبة الى الحملات الاعلامية التي ما زال يواصلها بشكل شبه يومي ولم يتوقف البث بعد في مجموعة من الفضائيات الخليجية المعارضة من الضاحية الجنوبية من بيروت ومناطق مختلفة من تلك التي يسيطر عليها الحزب.
وعليه، انتقل الديبلوماسيون الى إجراء قراءة أكثر دقة للموقف، فتوقفوا في حديثهم عن الدوافع الأكثر أهمية لاستعجال عودة الديبلوماسيين الخليجيين عند المعطيات المتوفرة التي قدمتها المفاوضات السعودية – الإيرانية برعاية عراقية مباشرة وجهود اردنية وعمانية إماراتية كانت قد قطعت أشواطا لجهة استئناف الحوار بين الرياض وطهران في بغداد. واشارت الى ان الجولة الخامسة التي كان مقررا عقدها في بغداد في 12 شباط الماضي عطلها قرار المملكة العربية السعودية بإعدام 81 موقوفا بتهم الارهاب وقتل عسكريين ومدنيين سعوديين ومن بينهم مجموعة من الشيعة السعوديين والبحرين و حوثيون يمنيون.
وعلى هذه الخلفيات، قالت المصادر عينها أن العودة الديبلوماسية تزامنت مع استئناف الجهود لعقد الجولة الخامسة من المفاوضات المجمدة منذ الجلسة الرابعة التي عقدت في بغداد في 20 ايلول العام الماضي. وان هناك موعدا قريبا سيحدد لاستئنافها بعد استيعاب ردات الفعل السلبية على قرارات الاعدام التي بدأت تتلاشى بفعل الوساطة التي استؤنفت في الكواليس الديبلوماسية على خلفية اعتبار ان القرارات القضائية السعودية روتينية وتقليدية وأن المملكة ما زالت تمارس مثل هذه العقوبات وفق الشريعة الاسلامية التي تعتنقها بعضا منها هذه الدول وتحترمها.
أما في المضمون والنتائج المترتبة على العودة، تبين للمراجع الديبلوماسية انها وان تزامنت العودة السعودية والكويتية والقطرية مع بعضها فإن هناك فوارق نافرة في أسباب ودوافع كل منها فالكويت أصرت على اعتماد الطرق الديبلوماسية عبر الاتصالات التي أجريت بين الكويت وبيروت على مستوى رئيس الحكومة ووزارة الخارجية في ما اعتمدت قطر الأسلوب عينه عندما سارعت الى تعيين سفير جديد لها مستعجلا تسلم مهامه الرسمية بعد يومين على وصوله الى بيروت وكان له ما أراد. أما المملكة العربية السعودية فقد تجاهلت كل هذه المراحل واعتمدت مضمون بيان وزارة الخارجية في المملكة منصة للإعلان عن العودة من دون اي اتصال رسمي مع الحكومة اللبنانية ووزارة الخارجية قبل عودة السفير بخاري الى بيروت الذي حرص على القيام بجولة على القيادات السنية والروحية المسيحية والشيعية قبل زيارته بعبدا وقبل ان يحصل اي لقاء او اتصال مع وزير الخارجية الذي يلعب دور الوسيط الديبلوماسي بين الدول.
وانطلاقا من هذه الوقائع المنطقية لا ترغب المراجع الديبلوماسية بالتقليل من اهمية العودة وما يمكن ان تعكسه من اجواء ايجابية وخصوصا ان المناقشات بشأن اعادة السفراء اللبنانيين الى بلدانهم قد استؤنفت كما بالنسبة الى انهاء المقاطعة التجارية والصناعية بين لبنان والمملكة من طرف واحد باتت على قاب قوسين او أدنى من الإعلان عنها.
واستنادا الى ما تقدم لا تغفل المراجع عينها اهمية النفي الذي لا بد منه لجهة الاتهام بأن الرياض تخوض الانتخابات النيابية الى جانب هذا الفريق او ذاك وقالت انها لم ولن تتدخل في مجريات العملية الانتخابية وان رغب البعض بتوجيه الاتهام فهو ساقط فهي تنكب في هذه القترة الى ترجمة التفاهم الذي تحقق مع باريس لجهة اطلاق الصندوق المشترك الفرنسي – السعودي لمساعدة الشعب اللبناني وهو ما ركز عليه السفير السعودي في لقاءاته التي عقدها الى اليوم كاشفا عن 72 مليون دولار قدمتها باريس والرياض كنواة لاطلاق عمل الصندوق على ان تنضم اليه مجموعة اخرى من الدول والمؤسسات الاقليمية والدولية المانحة لتعزيزه وتقديم العون لفئات لبنانية واسعة من بينها بعض الاجهزة الامنية التي ستحظى بدعم بارز كقوى الامن الداخلي والامن العام وامن الدولة والمجتمعات المضيفة للنازحين ومؤسسات تتلقى دعما مباشرا بالاليات الخاصة التي تمتلكها هذه الدول والصليب الاحمر اللبناني بمعزل عن الوزارات والمؤسسات العامة اللبنانية.
وبالمناسبة، انتهت المراجع الى النفي عبر “المركزية” للروايات التي تحدثت عن احتمال وضع ودائع مالية بمليارات الدولارات في المصرف المركزي اللبناني واعتبرت انها سيناريوهات وهمية تهدف الى التشهير لاحقا بمثل هذه الخطوات إن لم تحصل في وقت قريب. وقالت انها لا تنتظر نصائح او افكارا من احد وانها تعرف ما هو المطلوب وكيف تقدم مساعداتها مشددة على أهمية ان القرار الخليجي يتناغم مع القرارات الدولية وتوجهات صندوق النقد الدولي وأن لا دولار واحدا، لن يدخل الى لبنان عبر الآليات السابقة قبل الاصلاحات. فالعالم كله سيكون الى جانب لب