لا طبابة لقوى الأمن: وفاة ابن متقاعد لانعدام الاستشفاء

يعاني عناصر قوى الأمن الداخلي من صعوبة في الدخول إلى المستشفيات

عشية الأحد، الأول من أيار، شيعت بلدة ذوق الحبالصة-قضاء عكار، الصبي عمر حبلص (15 سنة) ابن المعاون أول المتقاعد، محمد حبلص، في جوّ من الاستنكار والغضب الشديدين. فبعد شهر من دخوله مستشفى الرسول الأعظم، جراء مضاعفات صحية في القلب، توفي الطفل عمر حبلص، بسبب غياب الطبابة والعلاج اللازمين له، واللذين تقاعست مديرية قوى الأمن الداخلي عن تأمين تكاليفهما، وعدم مقدرة الوالد المتقاعد تكبد النفقات على حسابه الشخصي، وفي حين قام تجمع متقاعدين قوى الأمن الداخلي بحملات إلكترونية منددة بالحادثة، لم يصدر بعد أي بيان رسمي عن المديرية.

“الضمان” عاجز

أفاد المعاون أول المتقاعد محمد حبلص لـ”المدن”، أن ابنه عمر قد شُخِص منذ عامين بضعف في عضلة القلب، حتى تأزم وضعه منذ ما يقارب الشهر، وقاموا بإدخاله مستشفى الرسول الأعظم في قسم “سلامة قلبك”. وتبين ضرورة متابعة الطفل بالأدوية المختصة بحالته، وزرع قلب اصطناعي له بأقصى سرعة، بشرط دفع تكاليف العملية مسبقًا، والتّي تبلغ 95 ألف دولار أميركي. وبعدما حاول الوالد مناشدة مديرية قوى الأمن المسؤولة عن تحمل تكاليف العلاج، لم يرد منها أي جواب أو مساعدة فعليّة. وعلى الرغم من التبرعات الإنسانية والحملات، توفي الطفل بسبب التأخر في تأمين التكاليف. وأضاف: “أنا متقاعد، راتبي لا يزيد عن المليون و750 ألف ليرة. فحتى لو حاولت الدفع لا يمكنني تكبد ربع التكلفة، وقد غطت قوى الأمن تكلفة ثلاثة أيام من الإقامة الاستشفائية على سعر صرف 1500 ليرة للدولار. غير أن المبلغ المتوجب عليّ 148 مليون ليرة، والتّي لم تساهم المديرية بدفع ليرة منه. وبعد وفاة ابني اليوم، سأضطر لتقسيط باقي المبلغ لحين سداده”.

وأشار المعاون أول حبلص أنه وفي محاولاته للتوسط عند المسؤولين في قوى الأمن، ومنهم العقيد جهاد أبو مراد جاء الرد بالتالي: “نحنا همنا الذين الخدمة الفعلية ما همنا المتقاعدين، يا دوب فينا نحكّم عسكرنا بالخدمة الفعلية”. الأمر الذي أثار سخطًا واسعًا في صفوف المتقاعدين، الذين اعتبروا أن هذه الروحية الإقصائية بالتعاطي معهم ليست سوى استهتار بأرواحهم وأرواح ذويهم، ومن واجبها الأساسي تحمل المسؤولية ووقف الإهمال الممنهج بحقهم.

المتقاعدون غاضبون

وفي هذا الصدد استنكر عضو “تجمع متقاعدين قوى الأمن الداخلي”، المؤهل المتقاعد ناصر بو شقرا، في حديثه مع “المدن”، قائلاً: “ما حصل مع زميلي محمد حبلص وفقدان ابنه عمر حبلص ابن الخمسة عشر عامًا، نتيجة عدم توفر الإمكانيات المادية لعلاج قلبه، هو أمر فظيع لا يمكن السكوت عنه، ويقع على عاتق الجهة المخولة، وهي مصلحة الصحة التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، تأمين الأموال اللازمة لمعالجته. لن نسكت بعد اليوم، وسيكون لنا سلسلة من التحركات على أبواب الوزارات، التي تبذر المليارات من الأموال على أمور جانبية، وغير مستعدة أن تدفع المال لعلاج رجال قوى الأمن الداخلي في الخدمة الفعلية وعائلاتهم والمتقاعدين منهم”.

حاولت “المدن” التواصل مع مستشفى الرسول الأعظم للاستفسار عن الموضوع، غير أن مكتب الدخول زعم أن الإدارة مغلقة، في يوم العطلة، ورفض الحديث عن الموضوع. كما حاولت التواصل مع عدد من القيمين في مصلحة الصحة التابعة للمديرية العامو لقوى الأمن الداخلي، الذين رفضوا بدورهم إصدار أي بيان رسمي عن الحادثة.

الحرمان من الاستشفاء

يُذكر أن نقابة أصحاب المستشفيات في لبنان أعلنت منذ شهور أن عناصر قوى الأمن الداخلي يعانون من صعوبة في الدخول إلى المستشفيات. إذ أن معظم المستشفيات باتت تتجنب قبولهم في الفترة الأخيرة، بسبب عدم تسديد المستحقات المتوجبة عن طبابتهم من جهة، وبسبب تدني التعرفات المعتمدة من قبل المديرية من جهة ثانية. وفي حين تتعاقب الوعود التّي تقدمها المديرية لأفرادها بالخدمة الفعلية والمتقاعدين، بالطبابة التّي تصل إلى 100%، وذلك بموجود هبة كويتية طبية مزعومة، لا يزال الواقع مناقضًا لذلك. إذ أن المستشفيات لم تعد تستقبل أي حالات لمرضى قوى الأمن، حرجة كانت أم لا. وإنما تبلغهم بالفواتير الضخمة بـ”الفريش” دولار، والتّي يستحيل لعناصر قوى الأمن الداخلي سدادها. إذ باتت تعرفة أي دواء تساوي راتب العنصر، ناهيك عن فاتورة مشفى خاص.

ينسحب عناصر قوى الأمن الداخلي اليوم، أكانوا في الخدمة الفعلية أم متقاعدين، إلى حلقة مفرغة من الوعود والأزمات، مضافةً لسجل طويل من البيروقراطية الفادحة التّي تعاني منها المديرية أصلاً، وأيضاً تناقص قيمة رواتبهم التّي دفعتهم إلى هامش الفقر، ما يضطرهم للقبول مرغمين بمصيرهم المهزوز ومصير عائلاتهم المهددة حتى بطبابتها واستشفائها.

Exit mobile version