لغزٌ يُحيّر الولايات المتحدة… مناطيد تجسّس أم أجسام غريبة؟

يبدو أن التشنج والكباش بين الولايات المتحدة الأميركية والصين حول تايوان وبحر الصين الجنوبي وموقفها من الحرب الروسية على أوكرانيا وتصاعد الصين إقتصادياً ومالياً وغيرها من الأمور الخلافية بين البلدين، قد إتخذ منحاً جديداً بتبادل الإتهامات حول التجسس عبر المناطيد بين الدولتين، بدأ ذلك عندما أسقطت الولايات المتحدة الأميركية بتاريخ 4 شباط 2023، منطاداً صينياً قبالة ساحل ساوث كارولينا جنوب شرق الولايات المتحدة، للإشتباه بقيامه بالتجسس على الجيش الأميركي وقواعده، ما أضطر الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إتخاذ القرار بإسقاطه فوق المحيط الأطلسي، وفقاً لنصيحة البنتاغون، تلافياً لخطر سقوطه على البشر، وبهدف إستعادة حطامه والإستفادة من المعلومات والمعطيات التي تم جمعها.

كما وكانت القوات الجوية الأميركية قد أسقطت ثلاثة أجسام أخرى حلّقت في أجواء أميركا وكندا، إعتباراً من الجمعة 10 شباط، وكان آخرها جسم مثمّن الأضلاع تم إسقاطه الأحد 12 شباط فوق بحيرة هورون ميشيغان.

في المقابل إتهمت الصين الولايات المتحدة بارسالها ما يزيد عن 10 مناطيد تجسس “بشكل غير قانوني” على ارتفاعات عالية في مجالها الجوي، منذ كانون الثاني 2022 دون موافقة السلطات الصينية، بحسب إدعاء المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ وين بين، في مؤتمر صحفي بتاريخ 13 شباط، ودون تقديم أي دليل حسي على ذلك، بعد أقل من يوم على إعلان الصين أنها تستعد لإسقاط جسم مجهول كان يحلق بالقرب من ساحلها الشرقي. فما حقيقة ما يحصل؟

العميد الركن المتقاعد شربل أبو زيد يؤكد لـ”المركزية” ان “قضية التجسس بالمناطيد او بالونات الطقس تعود الى خمسينات القرن الماضي حين ارسلت الولايات المتحدة الاميركية 512 بالون تجسس فوق كل من الصين والاتحاد السوفياتي اعتباراً من 10 كانون الثاني 1956، سرعان ما اكتشف الاتحاد السوفياتي 54 بالونا منها، فتم تعليق المشروع بتاريخ 6 شباط من نفس العام، بعد مسح وتصوير 1،1 مليون ميل مربع من الاراضي السوفياتية والصينية أي ما يعادل عشر اراضيهما. وقد بررت الولايات المتحدة الأمر بنفس الطريقة التي تبررها الصين اليوم، لأسباب علمية تتعلق بمسح الأرصاد الجوية في جميع أنحاء العالم”.

ويكشف أبو زيد أن “بعد ساعات من اسقاط طائرة أف-16 المنطاد بتاريخ 4 شباط، حاول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، الاتصال بنظيره الصيني عبر الخط الساخن العسكري، في محاولة لشرح الأمور وتخفيف التشنج، لكن جهوده باءت بالفشل بسبب رفض وزير الدفاع الصيني ويي فانغ الرد على الاتصال بحسب البنتاغون، مدّعياً أن الولايات المتحدة لم تخلق الظرف الملائم للحوار والتبادل، فالقرار الأميركي غير مسؤول وهو “انتهاك للمعايير الدولية خلق سابقة خطرة”، بعثت الخلاف والتوتر بين البلدين”، مشيراً إلى أن “الاميركيين شعروا بالقلق من عدم الإتصال، وتخوفوا من أن سوء الفهم والتقارير الكاذبة، قد تجعل الامور تتطور نحو الأسوأ، فيما شكك القادة الصينيون من جدوى الاتصال والخط الساخن العسكري في تذليل الامور، ما أدى الى تشنج دبلوماسي متزايد بين البلدين. لكن سرعان ما أعيد الإتصال بعد أن قوبلت طلبات البنتاغون لإجراء حوار بالرفض لأيام عدة، حيث أكدت مساعدة وزير الدفاع الأميركي ميليسا دالتون الأحد 12 شباط أنها أجرت إتصالا مع بكين بشأن المنطاد الصيني”.

ويلفت إلى أن “هذه التشنجات أدّت الى مخاوف في الاسواق الاسيوية من ان يرفع الاحتياط الفدرالي اسعار الفائدة اكثر من المتوقع، بحيث تثقل هذه التوترات الجيوسياسية كاهل الولايات المتحدة الاميركية والصين بسبب بالونات التجسس.

بدورها اعربت تايوان عن قلقها من موضوع بالونات التجسس التي لطالما ارسلتها الصين فوق مجالها الجوي، وآخرها قبل بضعة أسابيع فقط، ما قد يؤشر لإستعداد بكين للهجوم عليها. حتى أن اليابان والفليبين أيضاً لاحظتا توغل البالونات الصينية في مجالهما الجوي دون تقديم تفاصيل اكثر عن الموضوع. فيما عبّرت ألمانيا عن خشيتها من أن تؤدي الحادثة الى مزيد من التصعيد في العلاقات الأميركية الصينية، ما يزيد المشهد الدولي تعقيداً”.

ورأى أبو زيد أن “في هذا الوقت تعمل الولايات المتحدة وكندا على استرداد حطام ثلاثة أجسام غامضة أُسقطت فوق أراضيها، وفي ظلّ توتر متزايد، وتعتقد الولايات المتحدة أن أول جسم اكتشف رسمياً كان منطاداً يشغّله الجيش الصيني، وتؤكد أنه جزء من أسطول أرسلته بكين فوق أكثر من 40 دولة في القارات الخمس. أما الأجسام الثلاثة الباقية فتكثر التكهنات حولها، حيث صرح قائد القيادة الشمالية الأميركية وقيادة الدفاع الجوي الفضائي لأميركا الشمالية الجنرال غليندي فانهيرك مساء الأحد 12 شباط 2023، بعد الإتصال الأميركي الصيني، إنه لا يستبعد أن تكون هذه الأجسام من خارج كوكب الأرض أو أي تفسير آخر، وهو سيترك الأمر للمخابرات للكشف عن حقيقة ذلك. لكنه شدد على أن الولايات المتحدة تواصل في هذه المرحلة تقييم كل تهديد أو أي خطر محتمل غير معروف يقترب من أميركا الشمالية ومحاولة التعرف عليه”.

ويختم أبو زيد: “من المتعارف عليه عسكرياً أن التجسس هو جزء لا يتجزأ من العمل الإستخباراتي لكل دولة باتجاه الدول العدوة والصديقة على حدّ سواء، في زمني السلم والحرب، لكنه يزداد وينشط بقوة خلال فترة الأزمات، خاصة الكبرى منها، والتي من المحتمل أن تؤدي إلى حرب عالية الحدّة قد تصل إلى حرب عالمية وحتى نووية. ما يجري اليوم يزيد المشهد الدولي تعقيداً خاصةً أنه يجري بين دولتين كبيريين إقتصادياً وعسكرياً، وما يمكن أن ينتج عن ذلك على الصعيد الدولي، إن من ناحية توسّع رقعة الحرب الدائرة في أوكرانيا لتشمل تايوان والصين ودول الجوار، أو من ناحية تفاقم الحرب الإقتصادية الدائرة بين هاتين الدولتين ما يؤدي إلى إطلاق شرارة حرب عالمية ثالثة، أو العودة إلى الرشد وفتح باب الحوار وتوسيعه ليشمل كل القضايا الخلافية بين الدولتين خاصةً التكنولوجيا والإقتصاد الدولي والإتصالات الدولية بحسب نصيحة هنري كيسنجر”.

Exit mobile version