كاد الاهتمام الدولي بالانتخابات اللبنانية أن ينحصر بنتيجتين وأمرين:
1 – خسارة الحزب للأكثرية النيابية من دون الخوض في الأسباب والتفاصيل، ومن دون تحديد الأكثرية الجديدة وأين تكمن؟ وإلى من آلت؟ وكانت هذه نتيجة واضحة وفسرت على أنها خسارة أو انتكاسة لإيران هي الثانية من نوعها في المنطقة بعد الانتخابات العراقية التي خسر فيها «الحشد الشعبي» أكثرية البرلمان، وبعدما كانت طهران أعطت آمالا على تحقيق نصر واضح في لبنان لتعويض ما حدث في العراق، ولكن النتيجة لم تكن على قدر التوقعات والآمال، رغم الوصف الإيراني للخسارة بأنها فشل لحلفاء الحزب المسيحيين والدروز، وليس للحزب الذي نجح في حسم وضمان التصويت الشيعي.
2 – خسارة حلفاء دمشق، كل الحلفاء، وخروجهم من البرلمان بشكل كامل وعلى نحو مفاجئ، وهو ما اعتبر بمنزلة هزيمة لدمشق وللرئيس بشار الأسد تحديدا، لأن الخاسرين هم من الحلفاء الأساسيين لسورية في لبنان ومن أبرز رموزها، ولأن هؤلاء هم من أصدقاء الأسد والمقربين منه شخصيا ولم ينقطعوا عن زيارة دمشق طيلة سنوات الحرب، وكان لبعضهم مثل طلال ارسلان وفيصل كرامي لقاءات مباشرة معه في العام الحالي وقبل الانتخابات. وهذه النتيجة المدوية اعتبرت بمنزلة خروج سياسي لسورية من لبنان بعد الخروج العسكري عام 2005.
لم يكن أحد يتوقع أن يخسر طلال ارسلان ووئام وهاب في وقت واحد، وأن يسقط فيصل كرامي من معادلة طرابلس ويخرج إيلي الفرزلي من البرلمان، وأن يصبح سليمان فرنجية ضعيفا وباهتا. وكان سبق كل ذلك تعذر دخول حزب البعث الى حلبة الانتخابات بعد إقصاء أمينه العام الجديد علي حجازي لمصلحة النائب جميل السيد الذي رجح الحزب كفته.
فوجئت دمشق بهذه النتيجة ولم تستوعبها. وأظهرت اتصالات أجراها مسؤولون سوريون بشخصيات لبنانية غداة الانتخابات وجود علامات استفهام وتعجب بشأن ما حدث وأسبابه، وعكست التساؤلات في عمقها وجود شكوك باحتمال وجود خطة مدبرة أو مؤامرة حيكت لإسقاط حلفاء الدرجة الأولى.. وبمعنى آخر، هل كان للحزب دور فيما حدث؟! وهل خطط وهدف لهذه النتيجة؟!
المعلومات والمؤشرات المتوافرة لا تدل إلى وجود مخطط أو توجه لإسقاط حلفاء دمشق عن سابق تصور وتصميم، وتفيد بأن ما حدث لم يكن من صنع الحزب الذي انزعج من هذه التطورات وشعر بإحراج تجاه دمشق، لأنه في مكان ما يتحمل مسؤولية أخطاء حصلت في إدارة المعركة الانتخابية.. وتعزو مصادر مطلعة هذه الخسارة فوق العادة التي لحقت بحلفاء دمشق الى 3 أسباب رئيسية:
1 – تركيز الحزب على إنجاح التيار الوطني الحر أكثر من أي حليف آخر، ما أدى الى إهمال الحلفاء الآخرين وعدم إيلائهم العناية اللازمة. ففي حسابات الحزب أن التيار هو الحليف الرئيسي وفي أساس التوازن القائم في البرلمان، وهو من يوفر الغطاء المسيحي للحزب والأقدر على مواجهة خصوم الحزب على الساحة المسيحية.
2 – الضعف اللاحق بحلفاء دمشق الذين استنزفوا رصيدهم السياسي والشعبي منذ العام 2005 وأكثروا من الاعتماد على «فائض القوة الشعبية» لدى الحزب، وكان لديهم فائض ثقة بفوزهم في الانتخابات، ولم يبذلوا جهودا ولم يقرأوا جيدا التحولات الشعبية الجديدة.
3 – انخفاض منسوب «الخزان الشعبي» لدى الحزب مع تراجع نسبة المشاركة مقارنة بما كانت عليه في انتخابات سابقة، وهو ما أدى إلى أن يركز الحزب على نواب الثنائي وإقفال الطائفة الشيعية، ونجح في ذلك، في حين أنه لم ينجح في الهدف الآخر وهو إنجاح الحلفاء.