يشكو المقيمون في لبنان من ارتفاع في استهلاك سياراتهم للبنزين منذ بدأت أزمة الوقود الصيف الماضي. التكهّنات حول الأسباب على ألسنة الناس عديدة، بين من يقول بوجود بنزين في الماء، وبين من يردّها إلى نسبة الأوكتان في البنزين، أو إلى نوعية البنزين المستورد. فما هي الأسباب الصحيحة لتبخّر البنزين قبل استهلاكه حتى؟
سيّارتي تستهلك الكثير من الوقود، طريق القرية لا زالت على حالها ولكنّ كمية الوقود اللازمة تغيّرت، لا أصدق أنّ سيارتي تصرف كلّ هذه الكمية لمسافات صغيرة. تتكرّر هذه الشكوى، بصيغ مختلفة، على ألسنة اللبنانيّين معبّرين عن وجود أزمة إضافية تُضاف إلى أزمتهم الأساسية المتمثّلة في تأمين مادة البنزين. ويمكننا أن نضيف إليها مشاهدات من ورش تصليح السيارات التي يؤكد أصحابها على أنّهم باتوا يلاحظون، بعد أزمة شحّ البنزين صيف عام 2021، وعند فكّ مضخات وخزانات الوقود في السيارات، وجود مواد مختلفة على شكل شحم أسود تتسبّب بسدّ البخاخات أو مجاري الوقود الدقيقة في المحركات.
ولفت البعض إلى وجود المياه في الخزانات، وهذا أمر مستغرب لأنه لا يمكن مزج المياه أبداً مع مشتقات الوقود، إلّا أنّ صاحب إحدى محطات الوقود يرجّح صحتها لافتاً إلى قيام بعض زملائه بتخفيض مستوى أنابيب سحب الوقود من الخزانات إلى ما دون العشرة سنتيمترات بهدف بيع أكبر كمية ممكنة من الوقود ما يؤدي إلى مزج المياه مع الرواسب بالبنزين. ومن المعروف أنّ محطات الوقود تقوم عادة برفع أنابيب السحب لارتفاع لا يتجاوز السنتيمترات العشرة في الخزانات الموجودة تحت الأرض وذلك لتجنّب سحب المياه المتأتّية من تكاثف بخار الماء وما تحمله معها من رواسب وأوساخ مع الوقود خلال تعبئة خزانات السيارات.
هذه الملاحظات تدفع إلى طرح السؤال الذي يكرّره الكثيرون: هل هناك حقاً مشكلة في نوعية الوقود المستورد؟
كلّنا نعرف أنّ لبنان، قبل أزمة الصيف الماضي، كان يستورد البنزين على نوعين أوكتان 95 و98 (سوبر). اليوم، توقف استيراد النوعية الثانية بشكل نهائي بسبب ارتفاع التكلفة بعد رفع الدعم، ليقتصر الاستيراد على الأوكتان 95 أو هكذا يُقال.
تقنياً، درجة الأوكتان، أو ما يُعرف بالرقم المرافق، لا تغيّر من نسبة استهلاك الوقود في السيارات بشكل عام. فالسيارات العادية والعائلية الموجودة مع معظم الناس، يمكن أن تعمل بشكل جيّد وطبيعي على أوكتان 87 وصعوداً حتى 95 (ممتاز) وهذا الأمر لن يغيّر في أداء المحرّك أو زيادة استهلاكه للوقود سوى في حالة تعبئة وقود بدرجة أقل من المطلوب (أقلّ من 87). أما الأوكتان 98 (سوبر) فهو مخصّص للسيارات ذات محرّكات الضغط العالي (السيارات الرياضية) وكان يمكن وضع استيراد هذه النوعية إلى لبنان في خانة الاستهلاك الترفي.
وعليه فالأسباب الرئيسية لما يجري اليوم مع سياراتنا لا يعود لسبب رئيس دون غيره، بل لمجموعة من العوامل قد تكون منفردة أو مجموعة وهي:
أولاً، التخزين: عند تخزين مادة البنزين لمدة طويلة تتجاوز الأشهر الثلاثة تفقد هذه المادة جزءاً من الأوكتان ما يعني انخفاض قدرتها على الاشتعال الفعّال داخل المحرّكات، كما أنّ التخزين الذي اعتُمد في لبنان داخل عبوات غير مخصّصة لحفظ الوقود (غالونات) أدّى لدخول رواسب على البنزين ستؤثر حتماً على المحركات.
ثانيًا، نوعية البنزين المستورد: نسمع في لبنان إعلانات عن نوعيات مختلفة من البنزين، وكلّ مستورد يدّعي أنّ بضاعته هي الأفضل بينما السوق عالمياً لا يعمل بهذه الطريقة، إذ يقوم المستوردون كلّهم بالشراء من الجهة التي تعطي السعر الأفضل، وخلال الأزمة في لبنان وانخفاض الأرباح كان هناك توجّه نحو استيراد ما هو أرخص ولكن من دون العبث بدرجة الأوكتان كونها ستخضع لفحوصات إلزامية قبل دخولها السوق اللبناني.
ثالثًا، مزج البنزين بالإيثانول: الإيثانول كيميائياً من عائلة الكحوليات، ومعروف باسم «سبيرتو»، له استخدامات عديدة كلّنا نعرفها وخاصة خلال جائحة فيروس كورونا، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أنّه يمكن مزجه مع البنزين للحصول على منتج يمكن استخدامه كوقود للسيارات وهذا ما قام به بعض من كان يبيع عبوات (غالونات) البنزين خلال فترة اشتداد الأزمة وذلك لزيادة حجم البنزين ومضاعفة الأرباح. هنا لا بدّ من الإشارة أنّ من يبتغي القيام بذلك لا يشتري الإيثانول من الصيدليات بل هناك مصادر تؤمن هذه المادة بكميات أكبر بكثير. هذا المزيج يحترق في المحرّكات بسرعة أكبر ما يعطي الانطباع الأساس بأنّ السيارة تستهلك الوقود بشكل أكبر.
أما مزج البنزين مع أنواع مغايرة من الوقود مثل المازوت، فيُفيد صاحب محطة للوقود بأنّ هذا الأمر كان يجري سابقاً يوم كانت البضاعة تُشترى وتُباع بدولار رخيص (1515 ليرة لكل دولار) أما الآن فقد توقّف هذا الأمر خاصة مع تسعير المازوت بالدولار.
الخلاصة، إذا كان الهدف الأساس المحافظة على محرّكات سياراتنا قدر الإمكان وخاصة خلال هذه الفترة، لا ضرورة لشراء عبوات الأوكتان ووضعها في خزانات الوقود. هذه المنتجات لن تغيّر من أداء محركات السيارات العادية بل على العكس قد تسبّب بعض الأضرار بدلاً من ذلك علينا الالتفات إلى محطات البنزين والتعبئة عند من يبيع بشكل أكبر (لا يخزّن) والتقليل قدر الإمكان من استعمال الوقود المخزّن في العبوات البلاستيكية.
يُعرف الرقم المرافق للبنزين بدرجة الأوكتان (أوكتان 95 أو 98) وهو يمثّل نسبة الأوكتان الموجودة في الوقود نسبة إلى مزيج معياري يُستخدم في المختبرات. هذه الدرجة تمثّل قدرة الوقود على الاشتعال بفعالية داخل محرّكات الاحتراق الداخلي، إذ إن المطلوب حصول هذا الاشتعال عند انطلاق شرارة إدارة المحرّك وليس بسبب ضغط المحرّك، وفي حال وقع الاشتعال (اشتعال الوقود مع الأوكسيجين داخل أسطوانات المحرّك) قبل انطلاق الشرارة نسمع الطرطقة داخل المحركات التي تُشير إلى مشكلة إمّا ميكانيكية أو مرتبطة بنوعية الوقود.