حُكِمَ لبنان منذ ما بعد إتفاق الطائِف دائماً بمعادلاتٍ سياسية وكانت تَحكُم مرحلة معينة وتَرسِم سياساتها. كانت دائماً هذه المعادلات تقوم على أجنحة متعدّدة تجمعها المصلحة السياسيّة، الوطنيّة أو الظرفيّة. كل معادلة سياسيّة كانت تسقط عند فقدانها لأحد الأجنحة المؤثرة فيها. اليوم في لبنان يحاول الطرف المهيمن على الدولة التمسك بمعادلة جيش، شعب ومقاومة وإعتبارها تَحفظ لبنان، ولكن ماذا بقي من هذه المعادلة اليوم؟
الجيش، يحاول حلفاء الحزب الإنقضاض على قائده في كل مناسبة ويتهمونه بالفساد و يَتهجّمون عليه فقط لأنه لم يجاريهم في المحاصصة ولم يحقق لهم حلمهم بالإطباق على المؤسسة العسكرية، آخر الآثار المتبقية من حقبة الدولة اللبنانية. حَمَّلوا الجيش فوق طاقته في المستنقع الداخلي ويحاولون عند كل إحتجاج أن يضعوه في وجه الشعب لكي يصطدم بأهله ولكن قائده كان أوعى منهم. يُبقونه عملياً بعيداً عن الحدود أو على الأقل يحاولون إبقاء وجوده هناك صُوَريّاً وغطاءً لهم. أصبح الجيش في لبنان وقائده لا يُقَيَّمون بتضحياتهم وسهرهم على أمن البلد وإنجازاتهم التي يحققونها بالحد الأدنى من الموارد المالية والبشرية ولا كفاءة قائد الجيش الذي قاد المؤسسة في أسوء ظرف إقتصادي ومعيشي يمر على لبنان بل يُقَيَّمون بقُربهم من الحزب ومدى دعم الجيش للمقاومة أو إذا المقاومة مرتاحة أو لا للجيش وعمله.
الشعب، أذَلّوه، أفقَروه وقتلوه منذ ثورة ٢٠١٩ حتى اليوم. فأًفقَدوا الشعب كل مقوِّمات الصمود حتى كَفَرَ بالحياة. القسم الأكبر من الشعب اليوم ما دون خط الفقر ويموت على أبواب المستشفيات. إنقلبوا على خياراته السياسيّة بعد الإنتخابات النيابيّة ويريدون فرض أشباه الرجال في رئاسة الجمهورية ليُبقوا على شبكة الفساد والتهريب. نعتوا الشعب بالعمالة ويُرهِّبون الناس لأنهم يطالبون بإبقاء شبح الحرب بعيداً عن لبنان. يستغلّون الأموال التي سرقوها منه لمساعدته وإبقائه تحت رحمتهم. شعبٌ خائن وعميل رفض التخلّي عن الوطن لأجل المقاومة، الشعب خائن لأنه لا يَعتبر المقاومة هي سبب عيشه اليوم ويتمسك بالحد الأدنى من الدولة والمؤسسات.
المقاومة، عقيدتها مَبنيّة على زوال إسرائيل والإكتفاء اليوم وفي أوجّ قوة الحزب بعملية إلهاء إسرائيل على الحدود فهو يلغي حجّة وجوده. إذا كانت إسرائيل ضعيفة فلماذا لا نستغلُ الوضع للقضاء عليها؟ لسبب بسيط، وجود إسرائيل هو ضمانة وجود الحزب. إسرائيل تبتزّ الولايات المتحدة والعالم لإمدادها بالأموال والأسلحة والحزب يبتزّ اللبنانيين ليُبقي سلاحهُ ويشرِّع كل أعماله غير القانونيّة. بعد الترسيم البحري وإعتراف الحزب بإسرائيل كدولة بشكل رسميّ أصبحت أي معركة معها عبثية لا أُفق لها ولذلك خرجوا بنظريّة السلاح لحماية الغاز. سيَخرجون علينا بعد حرب غزّة بنظريّة أنّ المناوشات في الجنوب هي التي فرضت الردع بوجه العدو. مقاومة تحاول السَلبطة على الدولة ومُقدَّراتها وتُمنِّن الناس بالمساعدات من وزارات الدولة التي هي بالأساس من حقّهم. لا تقبل التنازل خدمةً للوطن وهي تعتبر نفسها مُحقّة في كل شيء ولا ترضى أن يُسائلها أحد في أي تدخل خارجيّ وإلا إعتُبِر عميلاً. مقاومة غطَّت وتغطي حتى اليوم الفاسدين في الدولة لمصالحها السياسية الضيّقة ونهبت أموال المودعين عبر سياسات الدعم وتهريب البضائع المدعومة الى سوريا وتجارة العملة وإرسالها لدعم نظام الثورة في إيران. إذا كانت المقاومة لا تستطيع الصمود أمام موقف من صحفي وتَعتَبرُ عملاً كوميديّاً يهدد بيئتها، فهي تعترف ضمنياً أنها أوهن من بيت العنكبوت.
معادلة جيش شعب مقاومة أصبحت تضليلاً سياسيّاً وأصبح الجيش والشعب في خدمة الفساد السياسيّ وتجارة الممنوعات للقضاء على ما تبقّى من دولة.
ونحن؟ لا يحق لنا أن نعترض ومفروضٌ علينا أن نرضى بما ترتضيه لنا المقاومة.