منذ حوالي الشهرين وبعد سنوات من الترنح الذي أصاب علاقات الثقة بين لبنان ودول الخليج، الأمر الذي ترك تداعيات مرّة على بيروت، أُعلن عن مبادرة كويتية جاءت كفرصة لترميم الثقة وإنهاء عزلة البلاد، تحديداً بعد أن شهدت العلاقات بين لبنان ودول خليجية عدّة، على رأسها السعودية، مزيداً من التراجع نتج عن تصريحات ادلى بها وزير الإعلام السابق جورج قرداحي، انتهت باستقالته وانفجار العلاقات الدبلوماسية اللبنانية-الخليجية بسبب إجراءات عقابية، إذ دفعت هذه الحادثة السعودية الى سحب سفيرها من لبنان في 29 تشرين الأول الماضي وتلتها مملكة البحرين ودولتا الإمارات واليمن، فيما قررت الكويت خفض تمثيلها الديبلوماسي في بيروت…
اثر تدهور العلاقات، حملت الكويت مبادرة إلى لبنان تضمّ 12 بنداً، أبرزها: “التزام لبنان بمسار الإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي” و”إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة اللبنانية”، و”اعتماد سياسة النأي بالنفس وإعادة إحيائها بعد تعرضها لشوائب وتجاوزات كثيرة”، و”احترام سيادة الدول العربية والخليجية ووقف التدخل السياسي والإعلامي والعسكري في أي من هذه الدول”، و”احترام قرارات الجامعة العربية والالتزام بالشرعية العربية”، والالتزام بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، لا سيما القراران 1559 و1701، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية”. إلى جانب ذلك نصّت على “اتخاذ إجراءات جدية وموثوقة لضبط المعابر الحدودية اللبنانية”، و”منع تهريب المخدرات واعتماد سياسة أمنية واضحة وحاسمة توقف استهداف دول الخليج من خلال عمليات تهريب المخدرات”، و”الطلب من الحكومة اللبنانية أن تتخذ إجراءات لمنع الحزب من الاستمرار بالتدخل في حرب اليمن”، و”اتخاذ لبنان إجراءات حازمة لمنع تنظيم أي لقاءات أو مؤتمرات من شأنها أن تمس بالشأن الداخلي لدول الخليج”.
أما الرد اللبناني الرسمي على الورقة الكويتية لرأب الصدع وإعادة العلاقات اللبنانية-الخليجية إلى سابق عهدها، والذي يقال أنه أعدّ من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من دون اطلاع “الحزب”، ونقله وزير الخارجية عبد الله بو حبيب إلى الكويت، فتضمّن تشديدا على أنّ دول الخليج “صديقة، وأن لبنان يسعى لحلّ المشاكل معها”. كذلك، عبّر عن التزام لبنان بقرارات الشرعية الدولية بشكل عام، ورفضه التدخّل في شؤون أيّ دولة عربية، لكن من دون تقديم التزام بتنفيذ القرار الذي ينصّ على نزع سلاح “الحزب”.
وكانت السفيرة الأميركية دوروثي شيا تواكب مسار الرد اللبناني للتأكيد على وجوب أن يكون واضحًا، ويلتزم المبادرة الكويتية والقرارات الدولية، حيث حرصت على الالتقاء برئيس الجمهورية الذي بدا أنه لم يكن يبغي “استفزاز الحزب” في الردّ على الشروط الخليجية، ولا سيما المتعلقة منها بالقرار 1559.
اليوم، وبعد عدم التوصل إلى أي نتيجة حسّية للمبادرة التي كانت تشكّل طوق نجاة للبنان عبر إعادة ربطه بمحيطه، يبدو أن الإدارة الأميركية تستعد لإعادة تحريكها، عبر تكليف القائمة بأعمال مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى يائيل لمبرت بالمهمة، على أن تبدأ بزيارة باريس والرياض إلى جانب عواصم عربية أخرى، وفق ما تكشفه أوساط دبلوماسية غربية مطّلعة لـ “المركزية”، مؤكّدةً أن خطوة لمبرت ترمي إلى “تزخيم المبادرة الكويتية لمصالحة لبنان مع دول الخليج لاسيما السعودية”.
إلا أن اسم لبنان غير وارد على لائحة البلدان التي ستقصدها لمبرت لبحث المبادرة، إذ تنصح الإدارة الأميركية بعدم زيارة أي مسؤول لبناني قبل إجراء الانتخابات النيابية في ايار المقبل، دائماً حسب المصادر.
صحيح أن زيارة لمبرت للسعودية تأتي في سياق السعي إلى حثّها على تليين تعاملها مع ملف العلاقات اللبنانية – الخليجية ودفعها في اتجاه ترجمة المبادرة الكويتية على أرض الواقع، إلا أن المبعوثة الأميركية تحمل معها هدفاً آخر تريد أميركا تحقيقه ألا وهو تعزيز العلاقات بينها وبين الرياض.
كذلك، تشير المصادر إلى أن واشنطن تبغي حثّ المسؤولين السعوديين على دعم الصندوق الإنساني المشترك بمئات ملايين الدولارات بما يساعد الشعب اللبناني على سدّ النقص في حاجاته، لا سيما لضمان استمرارية الخدمات الاساسية التي تأثرت بشكل ملحوظ بسبب أزمة البلاد. وفي السياق، تكشف الأوساط نفسها ان السعودية كانت تعهدت للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بدعم الصندوق، مؤكّدةً أنها ستتعاطى بإيجابية اكبر مع الملف اللبناني، خصوصاً بعد الأصداء الإيحابية لموقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبيانه الإيجابي الذي لاقى تأييداً اميركياً واوروبياً وخليجياً.
أما بالنسبة إلى نية تشكيل لجنة لبنانية – خليجية لمتابعة المبادرة الكويتية وإمكانية توسيعها عبر انضمام ممثلين فرنسيين وأميركيين اليها، فنفت الأوساط صحّة هذه المعلومات، مؤكدةً أن التواصل الأميركي – الفرنسي – السعودي مستمر، وبالتالي لا داعي أو حاجة لتشكيل هكذا لجنة. وفي المقابل، تلفت اوساط فرنسية لـ “المركزية” إلى بحث إمكانية تشكيل لجنة فرنسية – سعودية تهتم بإدارة الصندوق الإنساني، وتتحدث معلومات غربية ايضاً عن إمكان توفير مبالغ ضخمة له تتخطى المليار دولار، إلا ان الجانب السعودي يرفض الافصاح عن حجم مساهمته.