متاهات إيران الإقليميّة

يبدو أن أزمة إيران في المنطقة تتزايد حدَّتُها فأجواء مفاوضاتها مع أمريكا غير مُريحة بسبب التأثير الكبير للأوضاع في إسرائيل.

حتى اليوم فَرَّطَت بحماس في هجوم ٧ أكتوبر لمحاولة الإنقضاض على القضيّة الفلسطينية وإبقائها أسيرة أطماعِها السُّلطويّة والنوويّة. ما يحصل في قطاع غزة بالمدنيين لم يحصل في أيام نكبة ١٩٤٨ (فبعض الغزاويين إضطرّوا للنزوح أكثر من ٦ مرات خلال الحرب). سلّمت حماس المدنيين للذلّ ولإجرام إسرائيل بدون أن يكون لديها أي قوّة ردع تُذكر بوجه هذه الآلة العسكرية الهائلة. حماس التي ظهرت بعد هجمات السابع من أكتوبر كقوّة لا يُستهان بها أصبحت اليوم تبحث عن إنتصار متواضع المضمون والنتيجة في زواريب غزّة لرفع معنويات المتعاطفين مع المحور. أجمع العالم على أن أي مستقبل للقطاع لا يمكن أن يكون لحماس أيّ دور فيه.

أدخلت إيران الحزب على خط المعارك مع إسرائيل ضمن خطوط حمراء حدَّدت له فيها ما المسموح و ما الممنوع. الحزب اليوم يتلقّى الضربات من الداخل والخارج فمن جهة يخسر مقاتليه وقادته بدون أيّ مبرِّر يُقنع به أنصاره فالصلاة في القدس لا تزال بعيدة المنال. من جهة أخرى سقطت نظريّة وحدة الساحات التي بشّرنا بها أمينه العام وأصبحت غزّة كما القدس بمعظمها تحت الإحتلال الإسرائيلي. أما الأزمة الأكبر له هو الكلام الدولي والداخلي المتزايد عن وجوب تطبيق القرار ١٧٠١ وإبعاد الحزب عن حدود إسرائيل وما لذلك من تداعياتٍ وتأثير على دوره الإقليمي.

دخلت جماعة الحوثي الإيرانية في المعركة، وكما يُصرّحون، فإنها تعتبر ذلك نُصرةً لقضية غزّة والشعب الفلسطيني. ومع ذلك، لم تصل صواريخهم ومُسيّراتهم إلى إسرائيل إلا بِنُدرة، حيث سقطت معظمها في الأردن ومصر. تحوَّلت أنشطة الحوثي إلى قرصنة للسفن التجارية، مما شكَّل تهديداً لمصالح الدول الكبرى في مضيق باب المندب. أدّى هذا العمل الى معارضة دُوليّة كبيرة، حيث بدأت الدول في حشد قوّاتها البحرية لمواجهة الحوثي وتقييد عملياته، مع تهديد بضرب ميناء الحدَيْدة، الذي يُعتبر شريان حياة الحوثي، إذا حصل أيّ إعتداء آخر.

الحشد الشعبي في العراق، يدعم غزة بهجمات متعددة على القواعد الأمركية في العراق وسوريا. حتى اليوم أمريكا لم تُعِر هذه الهجمات أهمية وذلك بسبب ضعفها وبسبب سقوط معظمها في أراضٍ مفتوحة لا تؤثر في سير العمليات العسكرية وأثبتت الأيام أنه هجوم شكليّ لحفظ ماء الوجه. العراق هو بلد الإلتقاء وعلى باب إيران فليس من مصلحتها الدخول بمواجهة مع الأمريكي في باحتها الخارجية.

إيران التي تحترف سياسة الإزدواجيّة تفاوض على الطاولة وتفعل العكس من تحتها، وتاريخ تأسيس جماعاتها وطريقة دعمها يشهد على ذلك. فهي اليوم تضع كل أذرعها في المنطقة في وجه الدول العظمى التي إذا ما حشدت قوّاتها فهي قادرة على إنهاء كل هذه الأذرع العميلة لإيران بالرغم من كل الدمار المتوقَّع. لماذا تتخلى إيران عن هذه الجماعات التي كلفتها مليارات الدعم؟ إيران أصبحت قريبة من الحصول على القنبلة النووية – تقاريرٍ غربيّة تشير إلى احتمالية إمتلاكها لها في عام ٢٠٢٤. فهل تدفع إيران فاتورتها النووية من حساب أذرعها في المنطقة لتُبعِد عنها شبح الحرب والخضّات الداخلية التي لا تزال تعاني منها حتى اليوم؟

إيران تنحني أمام العاصفة لتُعيد ترتيب أمورها تحت الضوء وتعود لزعزعة أمن الدول العربية وتبسط سيطرتها أكثر عندما تهدأ العاصفة.

زر الذهاب إلى الأعلى